خالد محمود يكتب: السينما الفلسطينية جبهة أخرى للمقاومة

نشر في:
السبت 21 أكتوبر 2023 – 9:22 م
| آخر تحديث:
السبت 21 أكتوبر 2023 – 9:22 م
• أجيال من المخرجين يتمسكون بالأمل فى ظل الحصار والقمع والعنف والتهجير
• الموجة الجديدة تسعى لتغيير نظرة الغرب لصورة الفلسطينى الذى يقاوم المحتل ويفجر نفسه للانتقام من العدو إلى فلسطينى يعتز بأرضه ويتشبث بالحياة والموت عليها
تبقى السينما أحد الروافد المهمة لتأكيد هوية مجتمعاتها وتاريخها كمرآة لواقع تعكسه دائما رؤى مبدعيها، خاصة عندما يكون هناك بشر أصحاب قضية عادلة يواجهون صراعا محموما ودائما بين حق وباطل على أرض ووجود وهوية.
وعلى مدار ٧٥ عاما، ظلت السينما الفلسطينية شاهدة على واقعها المأزوم وتلك المأساة التى فرضها الاحتلال الاسرائيلى. وكان السؤال دائما كيف يمكن لصانعى الأفلام الفلسطينيين أن يعبروا عن وطنهم ومعتقداتهم وتقاليدهم مع الحصار والقمع والعنف والتهجير؟
عبر الجيل الأول من السينمائيين الفلسطينيين عن قضيتهم من خلال عروض سينمائية أقرب إلى المزج بين الأسلوب الوثائقى والسرد، وشكلوا حركة مقاومة لطرح القضية الفلسطينية على ساحة السينما العالمية، على غرار حركات المقاومة الفلسطينية واستطاعوا إيصال قضيتهم من خلال لغة السينما رغم الصعوبات. وقد اكتملت رحلتهم بجيل المخرجين المغتربين الذين ظهروا منذ أوائل الثمانينيات واستمروا حتى اليوم حيث ولدت أعمالهم ثورة سينمائية على الشاشة، أصبحت تعرف بـ «الموجة الجديدة للسينما الفلسطينية» سعى مخرجوها إلى تغيير نظرة الغرب لصورة الفلسطينى الذى يقاوم المحتل ويفجر نفسه للانتقام من العدو إلى صورة الفلسطينى الذى يعتز بأرضه، ويتشبث بالحياة والموت عليها، لذا فهو يقاوم من أجل الحفاظ على هويته وطقوسه اليومية، مهما كان الوضع المرير الذى يعيشه، بإصرار واضح وتجاهل تام لاستفزازات المحتل، وقد وصل صدى هذه الأفلام إلى المحافل الدولية والمهرجانات السينمائية العالمية بل ونالت جوائزها.
نعم استمرت السينما الفلسطينية وبقى سؤال الهوية والاغتراب ملازما لها، فى الجيل الأول يأتى المخرج ميشيل خليفى الذى قدم أفلاما عديدة بمشوار طويل، أبرزها «عرس الجليل» 1987، الذى حصل على التانيت الذهبى لأيام قرطاج السينمائية.
وفى الفيلم نرى أبو عادل مواطنا فلسطينيا يريد إقامة عرس لابنه، ويرغب أن يكون عرسا تتحدث عنه القرى على مدى السنين، إلا أن مصادرات الأراضى والقمع، وما ينتج عنها من مواجهة تفرض ظروفا من منع التجول والتجمهر، ومن تطويق الجيش للقرية.. المواطن يقرر أن يطلب من الحاكم العسكرى تعليق أنظمة الطوارئ وإخراج الجيش من القرية ليوم واحد حتى يتمكن من إتمام الزفاف. الحاكم يوافق بشرط أن يكون وضباطه ضيوف الشرف فى العرس، يسخر ميشيل خليفى من غباء الحاكم العسكرى وافتقاره إلى الحساسية لمشاعر الناس وتعامله معهم بقلب أسود، لكنه أيضا يلقى بنظرة فاحصة على مجتمعه الفلسطينى.
المخرج رشيد مشهراوى، قدم فيلمه «حيفا» 1996 أول فيلم فلسطينى يعرض بشكل رسمى فى مهرجان كان السينمائى، كإنجاز كبير للسينما الفلسطينية، حول شابّ يسمى «حيفا» حبًّا فى المدينة الفلسطينيّة الّتى هُجّر منها عنوة، وظلّ يحلم بها فى مخيّم اللاجئين، وتحت رحمة المفاوضات واتفاقيّات السلام والمستقبل الضبابى، حيث تتشابك المصائر وتتقاطع، بين الحرب والسلم واللاستسلام فى صورة سينمائية منتفضة.
وفى فيلمه «الجنة الآن» الذى ترشح لجائزة الأوسكار عن فئة أفضل فيلم أجنبى فى العام 2005، يقدم المخرج هانى أبو أسعد قصة آخر 48 ساعة فى حياة شابين فلسطينيين «سعيد وخالد» يعيشان فى مدينة نابلس فى فلسطين وهم أصدقاء الطفولة يخططان للقيام بعملية فدائية فى قلب العاصمة الإسرائيلية تل أبيب، إلا أن الأمور لا تسير كما هو مخطط لها، وتخرج عن السيطرة وينفصل البطلان ويدور مع كل واحد جدل نفسى طويل ومرهق حول جدوى العملية والهدف منها واللجوء لها كأسلوب مثير للجدل لمقاومة الاحتلال.
الفيلم دراما فلسطينية قاتمة وحوارات نفسية ذكية، استطاع المخرج أن ينتزع الإعجاب بإظهار الشخصيات بطابع إنسانى وأنها ليست آلة القتل وإنما فرض الاحتلال عليها الخيارات المرة وأنه يجنى ما زرع من قتل ودمار وتشريد، الفيلم أثار حفيظة وغضب العديد من الساسة الإسرائيليين بسبب بعض الآراء الإيجابية لتصويره البعد الإنسانى للمفجرين الانتحاريين وعقب فوزه بـ«الجولدن جلوب» قال هانى أبو أسعد: إنه يرى فى الجائزة اعترافا بأن الشعب الفلسطينى يستحق الحرية والمساواة غير المشروطة.
فيما شن عدد من اليهود الأمريكيين أصحاب النفوذ، والدبلوماسيين الإسرائيليين فى الولايات المتحدة، حملة ضد ترشيح الفيلم لنيل جائزة الأوسكار وقدمت هذه الجماعة عريضة لأكاديمية الفنون السينمائية والعلومِ موقعا عليها نحو 4313 شخصا مطالبين الأكاديمية بسحب الفيلم من لائحة الترشيحات النهائية.
تمرد هانى أبو أسعد بفكره السينمائى إلى حد ما عما كان سائدا لدى البعض حيث كان هناك عدد من المخرجين الفلسطينيين، لم يخرجوا أبدا عن تكريس الصورة السائدة عن الفلسطينى، وتضحياته، وكفاحه الكبير، ومأساته الموجعة، والتركيز على إجرامية الاحتلال، وممارساته البشعة، كما فعل المخرج إياد الداود فى عدد من أفلامه، وأهمها فيلمه «فن الحياة» 2003، أو كما صنع المخرج الممثل محمد البكرى فى فيلمه «جنين.. جنين» 2002، فإن هذه التفاصيل هى مفردات حقيقية، ترصد جوانب، لا يمكن نكرانها من صورة الفلسطينى.. التى لا بد من متابعتها فى سعيها للتكامل المتفاعل، لا للاختزال والتنميط.
«إن شئت كما فى السماء»
ظل المخرج إيليا سليمان فى أفلامه أسير قضية وطن، هو فلسطين، وبشر تائهون على تراب أراضيهم، يدغدغون مشاعر بعضهم البعض، يسكنهم اليأس، فى فيلمه «يجب أن تكون الجنة» أو «إن شئت كما فى السماء»، يقفز إلى عنان الكون كله، وكأنه يجعل كل من فى العالم فلسطينيون، تؤلمهم نفس جراح اللا وطن بلغة صامتة وأداء ساخر، وصورة تحمل أقصى درجات التأمل، حيث يلعب المخرج دور البطل يتنقل بين أوهامه وأحلامه من نابلس الحزينة، وباريس الجميلة ونيويورك المجنونة.
يبدأ فيلم إيليّا سليمان بأنشودة دينية تبشّر بقيام العالم من بين أمواته .
ليكسرها ببضع لقطات تتكرر وتتمحور فى بضع شخصيات تصر على الارتباط بالأرض، عوضًا عن السّماء ووعودها، وهنا تشرع بنا الكاميرا فى مسيرة تمشى بنا من فلسطين حتى أمريكا الشمالية، عبر أوروبا، المُستَعمَرين والمُستَعمِرِين تباعًا، تراقبها عينا إيليا سليمان عبر حضورها السّينمائى المتأمل وهى تمثل الشخصية التى ترافق وتراقب العالم.. نتأرجح ما بين الهلع والثبات، الاستسلام للفظ الأنفاس الأخيرة، والتمسك بالحياة، ما بين كفر وإيمان.
فى مشهد مهم يركب سليمان التاكسى يجوب شوارع نيويورك، ولم ينطق بكلمه سوى «أنا من الناصرة، من فلسطين»، ونرى السائق الأسود يطوف به مجانا كونه فلسطينيا. تتجلى لوحات الفيلم الشاعرية فى حدائق الزيتون، لنرى بشرا يسيرون وهم يحملون قفة زيتون فارغة ويضعونها أرضًا واحدةً بعد أخرى، بثقة، لنعود إليها فى نهاية الفيلم عائدةً، تلملم سلالها، فارغةً كانت أم ممتلئة، بخطوات كأنّ شيئًا لم يستجد منذ الأزل، دون أن تكون هناك إجابة عن وجودها وكيانها المستقبلى كوطن.
طوال الوقت نشاهد سيارات الشرطة ورجال أمن وأصوات وصورا لطائرات قريبة تحلق سواء فى فلسطين أو باريس أو أمريكا وطابور دبابات تعبر شوارع فارغة وكأنها تطارد هذا الفلسطينى أينما ذهب لتنقضّ عليه، لكنّه يفلت منها تمامًا، كما أفلت فى فيلم «يد إلهيّة»، وكذلك فى «الزّمن الباقى»، .
فى أحد مشاهد الفيلم داخل بار، يقول شخص لسليمان «العالم كله يشرب لينسى، أنتم الشعب الوحيد الذى يشرب ليتذكر اسوة بالعاشقين» ايليا سليمان ــ الذى أدار ظهره للعالم فى مشهد يقف فيه أمام البحر وكأنه يدين الجميع ــ يأخذنا رويدًا رويدًا إلى عمق القضية، بصمت يسود معظم الوقت، وحكايات قصيرة تنحدر من سماء الفيلم، لتملأ شاشته.
بينما فيلم «يد إلهية» من أهم أفلام النكبة، يعتمد على المشاهد والوقائع أكثر من الكلام، وتكاد لا تسمع فيه غير صوت خطوات قدم الأبطال. صمتٌ يشبه ما يعترى الفلسطينى أمام العالم الذى يتجاهل ما يتعرض له من قهرٍ وظلمٍ واضطهاد بشكلٍ يومى.
يستند الفيلم إلى سلسلة مترابطة من المشاهد القصيرة المكثفة، تشكل صورة متكاملة عن الحياة اليومية التى يعيشها الفلسطينى فى الناصرة.
ولعلّ أبرز مشهدٍ يلخص الفيلم والرسالة التى يريد سليمان إيصالها هو مشهد السائحة الأجنبية التى تسأل شرطيا صهيونيا فى أحد شوارع القدس عن بعض الأماكن الأثرية والمقدسة فى المدينة.
وحيث يعجز عن مساعدتها، يستعين بأسيرٍ فلسطينى مُحتجز فى سيارة ومعصوب العينين، فيدلّها على الطريق بكل سهولة. تشكر السائحة الشرطى الصهيونى، الذى يُعيد بدوره الأسير الفلسطينى إلى السيارة.
هذا المشهد بحدّ ذاته فكرة متكاملة؛ فقد برع إيليا سليمان بنقل حقيقة أن الفلسطينى هو صاحب الأرض وينتمى إليها انتماءً مطلقا، ويحفظ تفاصيلها أكثر من المحتلّ الذى لن يعرف جغرافيتها مهما بقى فيها واحتلّها.
«فرحة»
السينما ما تزال السينما قادرة على أن تتوغل فى نقاط جراح كبيرة أصابت فلسطين، وما زال جرحها ينزف منها حتى اللحظة، تنبش فى الذاكرة حتى توقظ تاريخا لا ينسى، وتجعل الأجيال الجديدة لا تنفصل عن ماضٍ تلاعب باستقرار واقعهم ومستقبلهم من مقدمة نكبة ٤٨، ويأتى فيلم المخرجة الأردنية دارين سلام «فرحة» ليعيد المشهد من جديد، وقد احرز الفيلم هدفا بجعل بطلته طفلة حتى تكثف المأساة الإنسانية وفق دراما قوية، وسيناريو ذكى.
قصة الفيلم الحقيقية عن فتاة تبلغ من العمر ١٤ عاما «فرحة»، جردتها النكبة من كل حقوقها كطفلة واضطر والدها لحبسها وحيدة داخل المنزل من أجل إخفائها عن أعين جنود الاحتلال بعد تهجير أهل القرية، لكنه رحل وظلت هى تتابع جرائم الكيان الصهيونى من شقوق الباب حتى استطاعت تحرير نفسها، فى إشارة إلى أن الشعب الفلسطينى هو شعب صامد وملهم ويعيش صراعا يوميا لا ينتهى، لذلك أوحى العمل أنه لابد من الاستمرار فى تقديم تلك القصص البطولية عن طريق الأفلام حتى تكون سببًا فى تخليدها وبقائها فى الذاكرة.
فى الفيلم تصور دارين الطبيعة القاسية لهذه المعركة التى لا نهاية لها فى «فلسطين المحتلة» ليس من قبيل المصادفة أنها تظهر صبية يطاردون المحتل بلعبة تشبه البندقية يصوبونها تجاههم، ويدفعون الحجارة الصغيرة على الجنود. لا يختلف الأمر اليوم عن إطلاق الإسرائيليين النار على حشود من المدنيين العزل لأن أحدهم ألقى علبة أو حجرا، سوف يستخدم الظالمون أى ذرائع تحت تصرفهم لمواصلة قمعهم؛ وقد شاهدنا مشهد مكبرات الصوت تنادى على أنه يجب على جميع السكان إخلاء منازلهم أو قتلهم داخل المنازل.
«حتى إشعار آخر»
نظرة سينمائية ثاقبة لوضع فلسطينى موجع يطرحها أيضا المخرج رشيد مشهراوى فى فيلمه «حتى إشعار آخر» وبقدر واقعية الصورة كانت الشاشة تنطق إلهاما محركا لفكر مؤثر لروح تقاوم لحظة حياتها.
فى الفيلم الذى تدور أحداثه فى مدينة غزة، خلال الفصول الأخيرة من عمر الانتفاضة الكبرى، التى انطلقت عام 1987 عشنا أحداث 24 ساعة وكأنها عمرا لشخصياته، عاشوه خلال حظر التجول الذى أعلنه الجيش الإسرائيلى فى مخيم للاجئين الفلسطينيين.
مع العائلة الفلسطينية تحولت البيوت إلى معتقلات صغيرة ينسجم بين جدرانها نسيج من العلاقات داخل الأسرة، وتكافؤ اجتماعى داخل الحى، تنخرط عائلة أبو راجى حلاق شبه مقعد ويمضى طيلة الفيلم تقريبا فى لباس النوم بحركة محدودة متوجعة، فى واقع تتألق فيه قيم الصمود والمقاومة.
هذه هى الحياة تحت الاحتلال
كان المعتاد أن يلعب الأطفال كرة القدم، ويمشى الناس بحرية فى الشوارع، ويقوم ساعى البريد بتوصيل الرسائل من بعيد. هذه غزة عام 1993، قبل اتفاقيات أوسلو للسلام، لسوء الحظ، ستتحول الحرية فى هذا اليوم إلى قيود حيث يطالب الجنود الإسرائيليون بحظر التجول الذى يحصر السكان الفلسطينيين فى منازلهم ويصبح منزل العائلة صورة مصغرة للمجتمع الفلسطينى، والحياة تحت الاحتلال.
فى صدمة أولى تتلقى أسرة أبو راجى رسالة من أحد الأبناء الأربعة، الذى يدرس فى ألمانيا. مع تجمع الجميع، يقرأ الابن الأصغر «رادار» الرسالة وكيف اجتاز شقيقه امتحاناته ويغادر لقضاء إجازة فى جبال الألب، لكن لا يمكن إنهاء الرسالة عندما أُعلن حظر التجول، لا يبدو أن أحدًا متفاجئًا. يقول الأب فى الواقع، «ما الذى يهم، نحن جالسون على أى حال»، وتستمر الحياة على أنها «طبيعية».
وتتحول هذه الرسالة فى القصة إلى رمز للتواصل، مع الغائب، ومع عالم الحرية التى يتنعَّم بها بعيدا عن وطء المحتل الصهيونى، وتبدو وكأنها نافذة لعالم الخلاص من هذا المحتل والشروع ببناء مستقبل الباهر يقوم على التحصيل العلمى.. كما تغدو الرسالة بتكرار محاولات قراءتها، وهى لن تكتمل إلا مع نهاية الفيلم، وبعد حصول الكثير من الأحداث والمكاشفات، من رموز الإصرار والاستمرار والدأب الفلسطينى.
رادار يمارس حقيقة دور الرادار، يراقب الجند، وينقل الرسائل، ويتسلق الجدران، ويعتلى الأسطح، ويعرف أنواع الطلقات من صوتها، وينفِّذ المهمات السرية، فضلا عن محاولاته قراءة رسالة أخيه الذى يدرس فى ألمانيا للأسرة، مرَّة تلو الأخرى
فى سرد الفيلم يتعرف الجمهور ببطء على الطرق البديلة التى تمكن هذه الأسرة والمجتمع من البقاء على قيد الحياة على الرغم من حظر التجول.
«البرج»
كانت هناك رؤى أخرى موطدة للقضية الفلسطينية مثل فيلم «البرج» للمخرج النرويجى ماتس جرورد الذى عاش لمدة عام فى مخيم برج البراجنة على مشارف العاصمة اللبنانية بيروت وسمع قصصا مختلفة من أجيال متعاقبة من اللاجئين.
فى الفيلم يخلع الرجل العجوز سلسلة ذهبية يتدلى منها مفتاح.. يتأمله لبرهة قبل أن يعطيه لطفلة صغيرة «وردة» طالبا منها أن تعتنى به من أجله.
العجوز هو الجد الأكبر وابن أسرة أجبرت مع ثلثى سكان فلسطين على النزوح عن أرضها مع قيام دولة إسرائيل عام 1948. الطفلة هى ابنة حفيد الجد الأكبر وتمثل الجيل الرابع من الفلسطينيين الذين لا يعرفون وطنا لهم سوى المخيمات. أما المفتاح فهو للدار التى تركها الجد مع أسرته خلفه والتى ظل يتمنى أن يعود إليها فى يوم من الأيام.
الطفلة وردة تخشى أن يكون جدها الأكبر منحها مفتاح الدار لأنه فقد الأمل فى العودة لوطنه. وتحاول أن تعيد له ما تعتقد أنه أمل مفقود فتتسلق البرج الذى تقيم فيه أجيال مختلفة من أسرتها فى مخيم برج البراجنة لتتحدث مع أفراد مختلفين وتتعرف من خلال ذلك على أهم المحطات فى تاريخ اللاجئين الفلسطينيين.
وكذلك «ميرال» للمخرج جوليان شنابل الذى قدم فيلما رائعا عن القضية الفلسطينية ومأساة ما بعد الاحتلال، كانت نواياه خالصة لصالح الوطن الفلسطينى، كان الموقف واضحا.. هناك احتلال إسرائيلى.. هناك تشرد ولاجئون فلسطينيون.. هناك منازل تهدم على أصحابها.. صورة صارخة للعالم للوضع الفلسطينى، قدمها بلغة سينمائية أقرب للتسجيلية، القصة مأخوذة عن كتاب الإعلامية الفلسطينية رولا جبريل التى ترصد فيه سيرتها الذاتية، التى كتبت السيناريو أيضا، وتبدأ الأحداث فى قلب القدس عام 1984، ونمر بحكايات أربع لأربع نساء يمثلن حقبة ووطنا ونضال أجيال مختلفة فى واقع مرير تحت الاحتلال الإسرائيلى، أولى هذه الشخصيات هى هند الحسينى (تمثل دورها هيام عباس) والتى تحول بيت عائلتها ملجأ للأيتام بعد أن عثرت على 55 طفلا أنقذتهم من الشارع بعد أن فقدوا آباءهم، تقدم لهم الطعام والمأوى، ويصبحون بعد ذلك ألفى طفل، وتصبح دار الأيتام مؤسسة دار الطفل العربى ومهمتها منح الأطفال الأيتام الأمل والتعليم خاصة الفتيات التى تسعى هند الحسينى لأن تغرس فى داخلهم قيمة التعليم والثقافة وأن ذلك هو الحل الوحيد للدفاع عن القضية وعودة الحق فى المستقبل.. ترى المناضلة الفلسطينية أن هذا الحل أفضل من العمليات الفدائية والاستشهادية لتفاوت الفروق فى كل شىء.. ترى أن العقل هو المفتاح وليست المشاعر.