اخبار المغرب

المخيمات العسكرية بالحوز تنسي السكان المفجوعين تداعيات الزلزال المدمر

حين تدخل المخيم العسكري الموجود بأمزميز لا تشعر بأن القاطنين به تعرضوا لزلزال، إذ تبدو ملامح الحياة تعود إلى ألوانها رويدا رويدا. عند مدخل كل خيمة، في نقطة ظليلة، تجلس امرأة أو امرأتان؛ رجل أو رجلان، يتبادلن ويتبادلون أطراف الحديث. أطفال يلعبون في زقاق المخيم كأن لا شيء حدث. يبتسمون للزائر و”يعلنون النبل وصفاء السريرة”، مثلما قال أحد الزوار للمخيم.

نحو 200 خيمة باللون الأخضر الداكن “تأوي العديد من العائلات وتوفر لهم جميع ما يلزم، بحيث كل خيمة تستطيع احتواء 12 فردا”، حسب ما قاله مسؤول عسكري لجريدة هسبريس، مبرزا أن “العدد الحالي للمستفيدين من خدمات المخيم يفوق الـ1000؛ لكن قدرته الاستيعابية تناهز نحو 2500 شخص”.

وأفاد المسؤول العسكري ذاته بأن “هذا المخيم العسكري بأمزميز، الذي ينضاف إلى ثلاثة مخيمات أخرى بكل من أسني ويرغلان وثلاث نيعقوب، يوفر 36 ألف خبزة يوميا وزهاء 8 آلاف وجبة في اليوم الواحد، بين الفطور والغذاء والعشاء يتناولها المتضررون الذين يقطنون بالمخيم والمسؤولون العسكريون والجنود”، مبينا أن “الطعام يخضع لمعايير دقيقة ومضبوطة بحيث يشرف عليه طبيب مختص لمراعاة مدى ملاءمته للشروط الصحية ولتقديمه في ظروف ذات قيمة غذائية مرتفعة”.

جريدة هسبريس عاينت في جولة مختلف مراحل الإطعام في هذا المخيم، من تلقي المؤونة محملة في شاحنات إلى عجن الخبز، وكذا طبخ الطعام، المتنوع: لحم ودجاج وخضر وحساء، إلخ.

فرق المخبزة والمطبخ من الجنود تبدو متراصة ومتماسكة بينها، بحيث كل مرحلة تكمل أخرى؛ كما عاينت الجريدة تقديم الطعام للسكان في أفواج متتالية حسب القدرة الاستيعابية للمطعم المنتصب في خيمة كبيرة تشمل عشرات الموائد.

وعلى الرغم من سخونة الشمس، فإن الحرارة معتدلة داخل هذه الخيمة، حيث يتناول المتضررون غذاءهم. وبمجرد انتهائها من تناول الغذاء، قصدت هسبريس امرأة خمسينية تسمى حبيبة بوراس، من أمزميز، التي اعتبرت أن “المخيم الذي تقطنه منذ الأحد يقدم تجربة نموذجية في الإسكان، أنقذ مئات المتضررين من التشرد”، مشددة على “الجهود التي يقوم بها الملك والقوات المسلحة الملكية والمصالح الاجتماعية والصحية لفائدة المتضررين”.

وفي حديثها إلى هسبريس، قالت بوراس بلهجتها المغربية: “كلشي كاين الحمد لله، هاد الناس لي كتشوفو مخصهم تا خير”، مضيفة أن “نفسية السكان الذين آواهم هذا المخيم صارت تشهد نوعا من الاطمئنان رغم ما مروا به، من موت الأقارب أو الجيران ومنهم من لا يزال معطوبا أو في الإنعاش، كخالي وبنات خالتي، ورغم ذلك نحمد الله ونشكره”، خاتمة بأن “هذا الوضع خفف من وطأة ما نزل بالسكان، بحيث توفر لهم كل شيء تقريبا”.

وفيما طالب، من جهته، السلطات بالإسراع في عمليات إعادة الإعمار، شكر حميد بنعدي، من أمزميز، “الملك والجيش” على “هذا الموقف وكل ما وفروه لكل المتضررين الذين يقطنون في هذا المخيم”، مضيفا: “هذا المخيم أنسانا أننا تعرضنا لزلزال، أخرجنا من فرط التفكير.. صار البال مرتاحا”، مؤكدا: “راهم واقفين معانا، الفطور فالوقت والغذاء فالوقت والعشاء فالوقت”.

وبتمسك بعفويته الفائقة، ورأسه ملفوف بضمادات بيضاء، أفاد بنعدي، في شهادته التي يتقاسمها مع هسبريس، بأن “الخيمة تأويه هو وزوجته وأبناؤه”، مشددا على أن “الأطباء المتوفرين بالمخيم يستفسرون دائما عن حالات المرضى ويتفقدون المصابين بحيث يقدمون لهم الدواء من حبوب وإبر، والإسعاف موجود لنقل كل من تدهورت حالته في أي وقت نحو مستعجلات مراكش”.

المتحدث لهسبريس، الذي يعاني من “ضربة حادة” في الرأس بحيث أصيب بها يوم الزلزال وهو يتناول العشاء رفقة أسرته، قال إن “الموجودين رهن إشارة السكان في المخيم بمختلف أصنافهم يتعاملون بسعة خاطر مع المتضررين”، وشكر الصحافة لكونها “تجندت أيضا في هذا الموقف”، خاتما: “هنا، نحن نسينا أننا متضررون، ننام في الأمان ونأكل ونشرب بكل أريحية”.

ونحن نهم بمغادرة المخيم، لفت نظرنا رجل ستيني من ذوي الاحتياجات الخاصة تقع خيمته عند مدخل المخيم، حيث يسكن هو وأشقاؤه. قصدته هسبريس وهو يجلس فوق كرسيه المتحرك لمعرفة تفاصيل عيش هذه الفئة في المخيم، بحيث قال بصوت متقطع: “يخصوننا نحن تحديدا هنا بعناية خاصة، لا يوجد من يرفض لك طلبا، ويسألونني يوميا عن الوضع، وأخبرهم أنني بخير”.

وختم المتحدث، واسمه محمد أوستاف، أن “القاطنين بالمخيم يعيشون في نوع من الراحة بحيث لا يحملون هما لأي شيء”، قائلا: “لو كنا في خارج المخيم سنواجه مصيرنا بالبحث عن الغذاء ومن ثم طبخه بكل ذلك العناء”؛ لكن “في المخيم هناك من يخدم السكان المتضررين ويسهر على أن يخرجوا مما جرى لهم من جراء جرح غائر تسبب فيه زلزال الحوز”.

ولربما تبدو الشهادات التي التقطتها هسبريس في هذا المخيم متقاطعة، بحيث بدا من الصعب إيجاد متضررين يقدمون صورة مغايرة للتي قدمتها بوراس وبنعدي وأوستاف، حتى الأطفال الذين دردشت معهم الجريدة في أزقة المخيم، على الهامش، اتضح أنهم يدخلون مرحلة نفسية أخرى بعد “صدمة الزلزال”، بحيث توفرت لهم حضانات وفضاءات للعب تخلصهم من “ذاكرة الموت”.

وبما أن هناك إجماعا للساكنة بمنطقتي أمزميز وأسني تحديدا بأن “الخدمات العسكرية، سواء في المخيمات أو المستشفيات، كانت ناجعة ومتفوقة”، فإن استمرار مطالب المتضررين بالإسراع في إعادة الإعمار عبر توفير مساكن يبقى مطلبا مشروعا وضروريا، خصوصا بعد ظهور نقاشات مثيرة ومهمة متعلقة بالقرى النموذجية.