سكربينة بدون كعب

أسماء أسافي المغرب
في صباح السنة الخامسة عشر على التوالي ، تقف فريدة تنتظر الحافلة التي توصلها لمقر الإدارة الجهوية للسكن،فهي نائبة قسم الشؤون القانونية، هي لا تتوفر على سيارة خاصة لحد الآن ، ذلك لان باحة الإقامة التي تقطن بإحدى شققها لا يسمح سوى بسيارة واحدة لكل أسرة و بذلك فسيارة خالد زوجها هي سيارة الأسرة.
صباح جميل ، هادئ من أحدى الأيام الربيعية، يشبه مثيله من الأيام الروتينية التي تعاقبت بسرعة فجعلت من فريدة أما لفتاة ثم لولدين.
شخصية ظريفة؛ متواضعة؛ متفهمة و متفانية في عملها داخل و خارج المنزل، لا تهتم بكماليات الحياة و رفاهيتها.
مثالية إلى حد ما، صاحبة مبادئ و أخلاق قارة:الأسرة شيء مقدس، التضحيات أمور لابد من تواجدها أما التنازلات فهي قوام الأسرة الناجحة.
هكذا هي فريدة امرأة بسيطة و أنيقة في نفس الآونة تحب الألوان الفاتحة، تعشق الثياب المريحة و المحترمة، تحبذ دائما أن تكون ذات قالب راق دون أية إثارة رشيقة القوام و مقتنعة بان كل امرأة جذابة دون أن تسعى إلى إبراز مفاتنها.
فريدة سيدة تستحسن السكربينة المريحة و ذات الألوان الكتومة فهي تساعدها على التنقل بحرية و خفة فركوب الحافلة ليس بالأمر الهين، أما الكعب العالي و رغم منظره الجميل على واجهات محالات الأحدية إلا أنه يبقى” مستفزا لما يحمله من تصنع و مبالغة” هكذا كان يقول خالد زوج فريدة و هي تشاطره الرأي.
و لعل هذا ما أثار فريدة في تلك الفتاة التي كانت تقف على بعد مترين منها.صارت فريدة تسترق النظر إليها كلما انشغلت الفتة بهاتفها النقال، “قد تكون بعمر’ رنا ‘ أو تكبرها بسنتين على الأرجح ” هكذا همست فريدة بخاطرها و هي تحدق بكعبها العالي الذي يكاد يفقدها التوازن، سروال ‘الجينز’ الضيق و القميص المزركش و على و شك التمزق. شعرها مصبوغ بني على أشقر و ماكياج وجهها ثقيل لدرجة أنه يمحي ملامحها الحقيقية، فهي النموذج المطابق لنسوة شاشات الستلايت .
تأخرت الحافلة كثيرا …وتساءلت فريدة عن سبب اهتمامها بالصبية؛ هل هو الكعب العالي؟ أم هو العطر الذي وصل أريجه إليها؟
“بلا هو العطر الذي ألبني” همست فريدة و هي مغمضة العينين ، استسلمت للرائحة الزكية التي أسكرتها و حملتها في طيات الذكريات، أيقظت أحاسيس الماضي ، فتذكرت أيام الجامعة و لحظات الهيام التي عاشتها آنذاك حب حياتها خالد زوجها….
” هذا العطر يشبهك بسيط لكنه يحفر في الذاكرة وللأبد” الجملة التي يكررها خالد في كل مناسبة يهديها إياه، تلك الكلمات التي أسرت قلبها بقيود عشق لم يهريها صدا الخمسة عشر سنة بجواره.
لمعت عيناي فريدة ببريق اشتياق و نزوع “ربما على أن اشتري العطر بعد نهاية الدوام لقد تعاقبت أيام دون أن استعمله” هذا ما قررته فريدة ، الفتاة ذكرتها بأروع ما حمل ماضيها .
التفتت فريدة للصبية و هي ترسم على شفتيها ابتسامة شكر و ارتياح….و إذا بسيارة تقترب بمهل لتصف أمام الرصيف، اقتربت الفتاة ركبت و ما إن أقفلت الباب حتى أحست فريدة أن صوتها يختنق، حاولت أن تصرخ لكنها لم تستطع، هناك حمل ثقيل يكبس على صدرها، يسلبها التنفس شيئا فشيئا.
كأنها سقطت في شرخ لن يتأتى لي احد استئصالها من داخله، تجمدت حواسها، توقف تفكيرها و لم يبقى سوى عبير العطر بذاكرتها…..
تمنت لو أنها ظلت مغمضة العينين و هي تستنشق العطر لعلها لم ……
لعلها لم تلمح السيارة، سيارة خالد زوجها….أردفت دمعة من عينها فسقطت دراهم الحافلة على الأرض جوار سكربينتها بدون كعب !