إيلون ماسك لم يؤسس Tesla، لكنه أقنعنا بذلك!

لطالما ارتبط اسم إيلون ماسك بشركة Tesla، في الواقع، اسمُهُ أصبح مرادفًا لها في نظر الكثيرين، فلا تُذكر سيرة الشركة إلّا ويُذكر معها اسم ماسك (غالبًا)، سواء بالسلب أو الإيجاب. لكن، هل تعرف أن إيلون ماسك لم يؤسس Tesla ولم يشارك حتى في تأسيسها؟
المؤسسون الأصليون وبطاريات الليثيوم-أيون!
تعود جذور تأسيس شركة Tesla إلى شهر يوليو من العام 2003، حينما أسسها المهندسان مارتن إبرهارد Martin Eberhard ومارك تاربنينغ Marc Tarpenning، وذلك بهدف إنشاء شركة سيارات كهربائية وتكنولوجية في نفس الوقت. منذ البداية، ركز المؤسسان على تطوير ثلاث تقنيات رئيسية هُم البطاريات، وبرمجيات التحكم، والمحركات الخاصة. لكن الإنجاز الأبرز الذي غير قواعد اللعبة كان الاعتماد على بطاريات الليثيوم-أيون، التي كانت -ولا تزال- تُستخدم في الأجهزة الإلكترونية المحمولة، وتجميعها في حزم كبيرة لتشغيل السيارات الكهربائية. وهذه الفكرة الثورية سبقت انضمام ماسك للشركة.
لم تكن Tesla الشركة الأولى التي يؤسسها المهندسان، حيث سبق وأسسا شركةً تُدعى “NuvoMedia”، فضلًا عن قارئ كتب إلكتروني محمول أسمياه “Rocketbook” في التسعينيات. وأثناء عملهما على جهازٍ جديد، طرأت على خاطرهما فكرة بطاريات الليثيوم-أيون، حيث لاحظا أن هذه البطاريات أصبحت أفضل من ذي قبل من حيث السعة والسعر، وهذا جعلهما يفكران في إمكانية توظيفها في وسائل النقل كوسيلة مفيدة للحد من التلوث وتغير المناخ.
جذور السيارات الكهربايئة

في الوقت الذي أُسست فيه Tesla، وعلى عكس ما قد يعتقد البعض، لم تكن فكرة السيارات الكهربائية جديدة. في الواقع، تعود جذور السيارات الكهربائية إلى القرن التاسع عشر (نعم، 1800 وشيء!)؛ وقتها ظهرت بعض السيارات التي يمكن أن توصف بالكهربائية، مثل سيارة Flocken Elektrowagen التي صمّمها المخترع الألماني أندرياس فلوكن في عام 1888 لتكون واحدة من أوائل السيارات الكهربائية العملية في التاريخ، بل وأول سيارة كهربائية حقيقية من وجهة نظر الكثير من المؤرخين.
كانت هذه السيارة مختلفة عن السيارات السابقة التي لا يمكن أن توصف إلا بالمحاولات، حيث كانت مجرد كلام على ورق وأفكار لم يُكتَب لها أن ترى النور.
سيارة فلوكن كانت عبارة عن عربة ذات 4 عجلات، وهذا منحها ثباتًا وشكلًا أقرب إلى السيارات الحديثة، على عكس بعض العربات الكهربائية في تلك الحقبة التي كانت ثلاثية أو حتى ثنائية العجلات. استخدمت السيارة محركًا كهربائيًا بقوة 0.7 كيلوواط (أي ما يعادل تقريبًا 0.94 حصان)، وهو رقم متواضع لكنه كان كافيًا لتحريك السيارة بسرعة قصوى بلغت 15 كم/ساعة، وهي سرعة ملائمة جدًا لطرقِ تلك الأيام.

على الرغم من هذه المحاولات المبكرة، ظلت السيارات الكهربائية تعاني من مشاكل في الأداء والكفاءة، ما حد من انتشارها لسنوات. لكن مع دخول شركة Tesla على الخط واعتمادها على بطاريات الليثيوم-أيون، تغير الأمر جذريًا وأصبحت تقدم سيارات كهربائية بأداءٍ قويّ ينافس السيارات التقليدية دون أي تنازلات في السرعة أو القوة، وهو ما أعاد تعريف مفهوم السيارات الكهربائية التي نعرفها اليوم، وكل ذلك دون وجود ماسك في الصورة.
ماسك في الصورة!

في تلك الفترة كان إيلون ماسك مشغولًا بإطلاق SpaceX (أُطلقت 2002)، لكنه كان مهتمًا بالسيارات الكهربائية ويرى أن تقنيات “المكثفات الفائقة supercapacitors” التي درسها في الجامعة مستقبل هذه السيارات.
دخل ماسك إلى عالم Tesla بفضل علاقة جمعته بالمهندس جي بي ستراوبل JB Straubel، الذي عرّفه بدوره على شركة ” AC Propulsion” الرائدة في تطوير السيارات الكهربائية في التسعينيات. كانت الشركة قد طورت سيارة رياضية كهربائية تعتمد في البداية على بطاريات الرصاص، ثم حولتها إلى بطاريات الليثيوم-أيون، وهو ما لفت انتباه إبرهارد (أحد المؤسسين لـ Tesla) وماسك على حد سواء.

على الهامش: علاقة ماسك بإبرهارد لم تكن مباشرة في البداية، بل جاءت عبر سلسلة من المعارف والاهتمامات المشتركة، التي أدت إلى التعارف في النهاية على يد توم جيج Tom Gage؛ المدير التنفيذي لشركة AC Propulsion.
ورغم محاولة كل من إبرهارد وماسك إقناع AC Propulsion بتسويق السيارة، فإن الشركة رفضت، ليقرر إبرهارد وتاربنينغ إطلاق Tesla بأنفسهما، وينضم إليهم لاحقًا إيان رايت.
في فبراير 2004، قاد ماسك جولة استثمارية ضخمة في Tesla، حيث ضخ 6.5 ملايين دولار من أصل 7.5 ملايين دولار جمعتها الشركة. أصبح إبرهارد المدير التنفيذي، وانضم ستراوبل كمدير تقني، فيما تولى ماسك عضوية مجلس الإدارة ولعب دورًا محوريًا في تمويل وتسويق الشركة، رغم انشغاله بـ “SpaceX”، ومن هنا ترسخت فكرة أن إيلون ماسك هو المدير التنفيذي والمؤسس لـ Tesla، رُغم أنه ليس كذلك كما عرفنا.
ماسك يتسبب برحيل إبرهارد!

واجهت شركة Tesla تحديات ضخمة في بداياتها، خاصة خلال تطوير أولى سياراتها “رودستر Roadster”، حيث اصطدمت بعقبات مالية وتكاليف متزايدة.
في عام 2007، تصاعدت الخلافات الإدارية داخل الشركة، وتمكن إيلون ماسك من إقناع مجلس الإدارة بإقصاء إبرهارد من منصب الرئيس التنفيذي! أعقب ذلك فترة من الاضطراب الإداري، انتهت بتولي ماسك دفة القيادة رسميًا في 2008، بينما غادر المسكين إبرهارد الشركة نهائيًا، ليرفع لاحقًا دعوى قضائية ضد ماسك وTelsa، متهمًا إياهما بالتشهير به وتشويه دوره المؤسسي في الرواية الرسمية لتاريخ الشركة. أسفرت القضية عن تسوية أقرت بأن خمسة أشخاص يستحقون لقب “المؤسس المشارك”، هم: إبرهارد، ومارك تاربنينغ، وإيان رايت، وإيلون ماسك، وجي بي ستراوبل.
يُذكر أن ماسك وصف إبرهارد لاحقًا بأنه “أسوأ شخص عمل معه على الإطلاق”!
دور ماسك لا يُنكَر، لكن أفعاله مُشينة!

صحيح أن فكرة Tesla لم تكن من ابتكار إيلون ماسك، إلا أن دوره في تحويل الأفكار إلى واقع تجاري كان حاسمًا. فقد ضخ الاستثمارات الكبرى، وتحمّل المخاطر المالية في أصعب الفترات، كما تولى قيادة الشركة منذ عام 2008، في مرحلة كانت مهددة بالفشل الكامل. تحت إدارته، حققت Tesla قفزات نوعية جعلت من السيارات الكهربائية خيارًا شائعًا، بل وغيرت قواعد اللعبة في صناعة السيارات على مستوى العالم.
رؤية ماسك التي كشف عنها عام 2006 تحت اسم “الخطة الرئيسية السرية لتسلا Tesla Secret Master Plan” شكلت الأساس الاستراتيجي لمسيرة الشركة نحو الانتشار الواسع. ورغم ذلك، يرى كثيرون أن النجاحات التقنية التي حققتها Tesla ما كانت لتتحقق لولا فرق العمل والمهندسين الذين قادهم جي بي ستراوبل، المدير التقني الذي بقي في منصبه حتى عام 2019. هؤلاء، إلى جانب عدد من الأسماء التي لم تحظَ بالشهرة، هم من طوّروا تقنيات البطاريات والطاقة التي شكّلت العمود الفقري لإنجازات الشركة.
لكن في الوقت ذاته، لم تكن تحركات ماسك دائمًا نزيهة. فقد طغى حضوره الإعلامي على شركائه، وساهم في تهميش أدوار مؤسسين ومهندسين كان لهم الفضل الأكبر فيما وصلت إليه Tesla حاليًا، وهو ما جعل البعض يصفه بأنه “زوَّر تاريخ الشركة” أو بشكلٍ ألطف: “أعاد كتابة تاريخها”، ولا عجب أن هناك مطالبات مستمرة بتنحيته عن الإدارة!
?xml>