تكنولوجيا

جربت الألعاب التي تعد بالكثير من الأموال: سرقت بياناتي!

«الحدأة لا تلقي بالكتاكيت»، هذا المثل المصري هو أول شيء يخطر ببالي عند رؤيتي لتلك الإعلانات التي تعدك بالثراء لمجرد تحميل تطبيق. كل التطبيقات أصبحت تمتلئ بها، صادفني الكثير منها اليوم، ولاحظت بعض الأشياء فيها. الأول هو التكلفة المنخفضة جدًا للدعاية، «إعلان بجنيه ونصف». يسرقون فيديوهات المشاهير، ويدمجون عليها صوتًا بالذكاء الاصطناعي منخفض الجودة، وعندها قلت في نفسي من هؤلاء الناس الذين يدعون أنهم مستعدون أن يجعلوك ثريًا في لحظات، وهم لا يملكون حتى حق الدعاية لأنفسهم؟ أو ربما بخلاء، لا أدري.

الثاني هو استهدافهم للدول النامية التي تمر بأزمات اقتصادية، مع التركيز على مصر بالتحديد، «أنت تعيش في مصر؟ لا تقلق، حمل التطبيق وستكون غنيًا في لحظات». هؤلاء الناس يعيشون في أي زمن بالضبط؟ فمن غير المعقول أن يقع أحد في مثل هذه الخدع اليوم. لكن تخيل ماذا؟ وجدت الكثير من الناس تصدقها وتقوم بتحميل هذه التطبيقات، وهي تحلم أن تنافس إيلون ماسك بعد شهر من اللعب! طبعًا هذا مبرر ومفهوم، بسبب شدة احتياجهم للمال، وفي تلك المرحلة اليائسة من الممكن أن يصدق الإنسان كل الأمنيات الزائفة بحل المشكلة، حتى وعقله يدري أن هذا غير منطقي.

لذلك حاولت نصح أحدهم ممن يصدق هذه التطبيقات، لكنه اتهمني أنني أعطي رأيي بدون تجربة حقيقية. تلاعبت في رأسي الأفكار الشريرة، وقلت: ولِمَ لا أجرّب؟ سوف أضحي بهاتفي اليوم من أجل الانتصار لرأيي وفضح هذه الألعاب، ولن أخسر شيئًا! «ليتني لم أقل طبعًا، وستدري لاحقًا لماذا». وحملت وأنا في كامل قواي العقلية أول لعبة مشهورة، تابع معي.

لعبة PLINKO

هذه اللعبة هي أكثرهم شهرة، وتظهر إعلاناتها في كل مكان تقريبًا (ينقصها فقط أن تُرسل في جروب العائلة على واتساب!)، لكن دعنا لا نحكم قبل أن نجرّب. فتحت التطبيق، فوجدت كرة في الأعلى، وبالأسفل خانات تحمل أرقامًا، وكل ما عليك هو ضغط الزر حتى تنزل الكرة في أيٍّ من هذه الخانات.

هل هذه مزحة؟! هذه لا تصلح أن تكون حتى لعبة للأطفال! ربما قطتي ستسعد بها، لكن من المستحيل أن يجد فيها شخص بالغ ما يُسليه. لكن قلت لنفسي «ربما هناك مال؛ أنا قادمة يا إيلون ماسك!».

نقرت الزر مرارًا وتكرارًا بلا هدف، والملل بدأ يتسرّب إليّ في أول دقيقتين فقط. لكن فجأة ربحت 6000 عملة، ثم 11000، ثم 12000، ثم 17000! وظهر في الأعلى زر “Cash out”هل تسرّعت بالحكم على هذه اللعبة؟ أم ماذا؟ ضغطت عليه، فوجدت أنهم يضعون رقم عملات خُزَعْبلي حتى تستطيع السحب. (نحن غير محتالين، فقط العب 1000 سنة لتسحب 1000 جنيه، وسنعطيها لأحفادك في حال لم تكن موجودًا حينها يا عزيزي، أو عزيزي الكسول، اشترِ عملات لو كنت أنانيًّا ولا تريد ترك شيئًا لأحفادك!).

لعبة PLINKO

أي شخص عاقل سيخرج منها ويحذف التطبيق. لكنني لست هذا الشخص، للأسف. اشتريت عملات بـ 300 جنيه. ثم ماذا؟ لم يحدث شيء! صوت صرصار الحقل يُخيّم على التطبيق. (عزيزي المغفّل الذي دفع المال للتو، نحن غير محتالين، لا تقلق، فقط العب أكثر حتى تحصل على مال أكثر!)

أعلم أنك تقول إنني أستحق هذا، لأنني كنت أعلم بالفعل. لكن يا عزيزي، الانتصار للرأي أهم!

لعبة Egyptian Fortunes

اسم اللعبة: نحن لا نستهدفكم أيها المصريون؛ صدقونا! الاحتيال: أنا هنا! أو لعلها لعبة من تصميم شخص يحب الحضارة المصرية فعلًا. واجهة اللعبة جميلة في الحقيقة، وتحاكي الأجواء الفرعونية بشكل مبهر. لكن كيف تلعب؟ لعبتنا مختلفة عن باقي الألعاب، فمهمتك هنا صعبة جدًا؛ وهي أن تضغط على الزر! فقط هذا؟ نعم. ربما يقصدون أن يدك ستتعب من ضغط الزر! بدأت أضغط الزر مرة بعد مرة، وظهر زر “Cash Out” لكنني لن أقع في الفخ مجددًا، ولن أشتري عملات لقد أصبحت أكثر نضجًا.

لعبة Egyptian Fortunes

عمومًا، الحد الأدنى للسحب بدا قريب المنال فقط 1000 عملة. استمررت باللعب حتى وصلت إليه، وضغطت على السحب. ضع حسابك البنكي كي نرسل لك النقود، أيها الثري! لحظة، هل اللعبة حقيقية؟ كتبت بياناتي وأنا أشعر أنني أفتح الباب للصوص حتى يتقاسمون معي نصيبهم!

ثم لا شيء. لم يرسلوا لي سوى رسائل وإعلانات غريبة؛ سرقوا بياناتي فقط! لكنني لم أستسلم. وانتقلت إلى اللعبة التالية.

لعبة Walk Earn

هذه اللعبة «الصحية» تعدك بأنك كلما مشيت، كسبت أموالًا! من هو هذا المليونير الذي يهتم بصحتي إلى هذا الحد، ويشجعني على المشي بالأموال؟ ربما يحاول أن يكفّر عن ذنوبه، من يدري؟ لا أعلم لماذا تشترك كل هذه الألعاب في وجود ذلك الزر. أصبح بالنسبة لي إشارة خطر حقيقية (Red Flag). فقط اضغط على الزر وابدأ بالمشي، وبالطبع، سيطلب التطبيق الوصول إلى موقعك الجغرافي وكل شيء يمكن الوصول إليه. وبالفعل، ضغطت الزر، وشغّلت أغنية عبد الحليم «سواح وماشي في البلاد». وفي قمة اندماجي بالمشي، اجتاحت شاشة هاتفي عشرات الآلاف من الإعلانات!

لعبة Walk Earn

وبعد أن شعرت أنني اقتربت من الوصول إلى كوكب المريخ، قررت أن ارتاح وأُلقي نظرة على أرباحي. والمفاجأة؟ العداد توقف. ولا توجد وسيلة واضحة أو حقيقية لسحب الأموال، مثل PayPal أو غيره. هذا التطبيق لا يستهلك الطاقة من جسدك فقط، بل يستهلك بطارية هاتفك!

الوحيدون الذين قد يشعرون بالحماس تجاهه هم من يعانون من اضطراب فرط الحركة وتشتت الانتباه (ADHD) مثلي. فهم على الأقل سيجدون شيئًا يُبقيهم منشغلين.

لعبة Fun Vegas

تصميم اللعبة جميل وجذّاب، وتلعب بذكاء على المشاعر، إذ توحي لك بأنك في مكان إيجابي، وعلى وشك الفوز بجائزة كبرى، فقط استمر! بدأتُ اللعب، وضغطت على الريد فلاج اقصد الزر، حتى ظهر ال Cash Out، فأضاء في قلبي بصيص من الأمل. لكن لم أفرح طويلًا، إذ ظهرت نافذة تطلب بياناتي الشخصية الاسم، البريد الإلكتروني، ورقم الهاتف. في تلك اللحظة، شعرت أن اللعبة في مراحلها المتقدمة ستطلب مني توقيع عقد لبيع كليتي! لكن للأسف أو لحسن الحظ، لم يحدث شيء.

لعبة Fun Vegas

كلما اقتربت من السحب، تظهر مهمة جديدة، أو إعلان سخيف آخر، أو شروط إضافية لا تنتهي. إنه سباق بلا خط نهاية، لعبة لا تُكافئك بشيء سوى استنزاف وقتك، وبياناتك، وربما أعصابك أيضًا. وجرّبت الكثير والكثير من هذا النوع من الألعاب، وجميعها تتبع نفس القصة! اضغط على الزر، العب، ثم اسحب، ثم لا شيء! فقط صوت صرصور الحقل يخيّم على الشاشة.

وهنا دعني أجيبك عن ذلك التساؤل الذي ظل يراودك طَوال التجربة.

من يقف خلف هذه الألعاب؟

في الغالب، يقف خلف هذه التطبيقات فرق من مطوري البرمجيات المجهولين، بعضهم يعمل لحساب شركات مشبوهة في دول تتيح لهم التلاعب دون مساءلة قانونية. هدفهم ليس تسليتك، ولا مساعدتك على كسب المال، بل جمع أكبر قدر ممكن من البيانات الشخصية اسمك، رقم هاتفك، بريدك الإلكتروني، موقعك الجغرافي، نوع جهازك، وحتى التطبيقات الأخرى الموجودة على هاتفك.

وما إن يجمعوا هذه المعلومات، حتى يبدأ بيعها لأطراف أخرى:

  • شركات إعلانات تستهدفك مستقبلاً بمنتجات وهمية.
  • شركات تسويق مشبوهة تروّج لمنتجات «الربح من المنزل».
  • وربما جهات احتيال منظمة، تستخدم هذه البيانات لاختراق حساباتك أو خداعك بعروض زائفة مستقبلًا.

أما العملات التي جمعتها؟ فهي مجرد طُعم، لتستمر في اللعب، تشاهد المزيد من الإعلانات، وتُنقر على كل زر يمكن أن يُدرّ دخلًا لتلك الجهة عبر نظام الإعلانات المدفوعة. إنه اقتصاد كامل قائم على الوهم. لم أصبح مليونيرة كما وُعدت، لكنني أدركت أن هذه الألعاب أخطر بكثير مما كنت أظن.

الخطر الحقيقي لا يكمن في سرقة الأموال فحسب، بل في سرقة الوقت، واستغلال لحظات الضعف، وبَثِّ أملٍ زائف في قلوب المُحتاجين. ربما لا يشعر البعض بخطورة الأمر إذا حملوا تلك التطبيقات بدافع التسلية، لكن الكارثة تحدث حين يصدقها من يبحث عن حلٍّ لمأزق حقيقي.

للأسف، هذه الألعاب لن تمنحك شيئًا. فالمال لا يهطل من السماء، ولا يأتي بضغطة زر في لعبة رخيصة!

?xml>