تكنولوجيا

علماء في هونغ كونغ يطبعون أعضاء بشرية بخلايا المريض نفسه

يواصل العلماء في جامعة هونغ كونغ فتح آفاق جديدة في مجال الطب الحيوي، عبر ابتكار تقنية ثورية تدمج بين الطباعة ثلاثية الأبعاد وزراعة الأعضاء من خلايا المريض نفسه.

لا تمثل هذه الخطوة مجرد تقدم تقني فقط، بل تحولًا عميقًا في كيفية فهم العلاج والطب الشخصي، وتمنح آمالاً كبيرة للملايين من مرضى زراعة الأعضاء حول العالم.

تقنية ثنائية تجمع الطباعة الحيوية والعضويات المجهرية

طور البروفيسور مايكل تشان وفريقه البحثي نظامًا مبتكرًا يستخدم الطباعة ثلاثية الأبعاد لصنع هياكل عضوية مع دمج عضويات مجهرية مستخرجة من خلايا جذعية تعود للمريض نفسه. يسمح هذا المزج الفريد بإنشاء أعضاء مصغرة تعمل بشكل وظيفي كامل وتكون متوافقة وراثيًا مع جسم المريض، مما يقلل احتمالات الرفض المناعي بعد الزراعة.

تكمن الفكرة الأساسية في تجاوز محدودية الطباعة الحيوية التقليدية، والتي تعتمد على مواد قابلة للتحلل الحيوي ولكنها تفتقر إلى الوظائف الحية. وقد استثمر الفريق في تقنية العضويات الدقيقة، وهي نماذج مصغرة من الأعضاء يتم إنماؤها معمليًا باستخدام الخلايا الجذعية.

من مسحة فموية إلى عضو وظيفي كامل

واحدة من أكثر عناصر هذا المشروع إثارة للإعجاب هي بساطة نقطة البداية. فكل ما يحتاجه الفريق هو مسحة فموية واحدة من المريض، والتي تحتوي على مواد وراثية كافية لتحفيز نمو خلايا جذعية. بعد ذلك، يتم تحويل هذه الخلايا إلى عضويات دقيقة تشبه في تركيبتها ووظيفتها الأعضاء الحقيقية. هذه العضويات تُدمج لاحقًا في إطار مطبوع ثلاثي الأبعاد يُصمم خصيصًا ليحاكي شكل العضو الطبيعي ووظيفته.

يعمل الفريق حاليًا على مشروع خاص بإعادة بناء مجرى الهواء، نظرًا لحساسية هذا الجزء وأهميته الحيوية، لا سيما في حالات الإصابات الشديدة والحروق. ويشير البروفيسور تشان إلى أن المواد المطبوعة وحدها لا تفي بالغرض، إذ لا تؤدي وظائف العضو دون خلايا حية. لذلك، فإن زرع العضويات الدقيقة في مجرى الهواء المطبوع هو المفتاح الحقيقي لاستعادة الوظيفة الحيوية.

يُركز الفريق حاليًا على إنتاج أنسجة تنفسية تؤدي دورها البيولوجي الكامل، مثل تبادل الغازات واستجابة الجسم للعقاقير قبل إعطائها للمريض، وهو ما يمثل تحولًا كبيرًا في عالم العلاج.

طريقة مبتكرة لتركيب العضويات على الهياكل المطبوعة

ابتكر الفريق طريقة ذكية لتثبيت العضويات داخل الهياكل المطبوعة باستخدام هياكل دقيقة تشبه قضبان الحديد المستخدمة في البناء؛ إذ تسمح هذه الطريقة بربط العضويات في أماكن محددة، مما يسهل تغذيتها ومراقبة نموها وتكاملها داخل النسيج. يشبه الفريق هذه التقنية بتمرير كرات اللحم على أسياخ الشواء، وهي صورة توضيحية طريفة لكنها دقيقة من الناحية التقنية.

ولا تقتصر هذه الطريقة على التثبيت فحسب، بل تسهل أيضًا عمليات التغذية والدعم الخلوي، ما يعزز فرص بقاء العضويات ونموها بشكل صحي داخل الجسم بعد الزراعة.

نحو مستقبل الطب الشخصي والتخصصي

واحدة من أكبر مزايا هذه التقنية هي تمكين ما يُعرف بالطب الشخصي. من خلال استخدام العضويات المشتقة من خلايا المريض، كما يمكن للأطباء اختبار فعالية الأدوية على هذه العضويات قبل إعطائها للمريض فعليًا. يفتح ذلك المجال لعلاجات مخصصة تقلل من المخاطر وتزيد من فعالية العلاج.

ويتوقع البروفيسور تشان أن تتحول العضويات الدقيقة إلى ضرورة أساسية في الطب الحديث، خاصة في ظل التحول العالمي نحو الأتمتة وتقليل الاعتماد على العمل اليدوي. ومع تطور الأجهزة الذكية والروبوتات الطبية، قد تصبح هذه العضويات جزءًا من عمليات روتينية تُنفذ بكفاءة وسرعة تفوق قدرات الإنسان.

طموحات تمتد إلى أعضاء أكثر تعقيدًا

وعلى الرغم من تركيز المشروع الحالي على الجهاز التنفسي، إلا أن الفريق يطمح إلى توسيع نطاق الأبحاث ليشمل أعضاء أكثر تعقيدًا مثل الكبد والكلى وربما القلب في المستقبل. إذ تجعل الطباعة الحيوية إنتاج الأشكال أكثر سهولة، لكن الصعوبة الحقيقية تكمن في إنتاج الخلايا الوظيفية المناسبة التي تجعل العضو يؤدي مهامه الحيوية.

أكد البروفيسور تشان أن التحدي ليس في الطباعة بل في نوعية الخلايا التي توضع داخل هذه الأنظمة. ومع الوقت، يُتوقع أن نتمكن إنتاج أعضاء كاملة وجاهزة للزراعة انطلاقًا من خلايا المريض نفسه.

يمثل هذا الإنجاز نقلة نوعية قد تُحدث ثورة في عالم زراعة الأعضاء. في المستقبل القريب، قد لا نحتاج إلى التبرع بالأعضاء بنفس الطريقة التقليدية، بل يمكن للمريض أن يحصل على عضو جديد مصنوع من خلاياه الخاصة، متوافق معه جينيًا، ويبدأ في العمل بمجرد زراعته. وتمثل هذه التقنية قفزة هائلة نحو تقليل الألم، وإنقاذ الأرواح، وتمكين التكنولوجيا من إعادة بناء ما فقده الإنسان.

?xml>