مراجعة لعبة Cronos: The New Dawn

في عام 2005 غيّرت Capcom ملامح ألعاب الرعب إلى الأبد مع إطلاق Resident Evil 4، التي قدّمت منظور الشخص الثالث بأسلوب ثوري أصبح لاحقًا مصدر إلهام لعناوين عظيمة مثل Dead Space. وبعد سنوات من غياب Dead Space، حاولت The Callisto Protocol أن تملأ هذا الفراغ لكنها لم تنجح في إرضاء التوقعات. أما اليوم، فيسعدني أن أؤكد أننا حصلنا أخيرًا على الخليفة الروحية الحقيقية لـ Dead Space، ولكن من استوديو لم يخطر على بالي يومًا أنه سيقوم بهذه الخطوة. إليكم مراجعتنا للعبة Cronos: The New Dawn من الاستوديو البولندي المبدع Bloober Team.
قصة عبقرية وسرد بيئي أسطوري
تدور أحداث Cronos: The New Dawn حول كارثة غامضة ضربت العالم في ثمانينيات القرن الماضي، حين انتشر مرض معدٍ حوّل البشر إلى وحوش مفترسة لا تعرف سوى القتل والالتهام. ورغم محاولات البشرية لإيجاد علاج، فشلت كل الجهود وانتهى الأمر بانقراض معظمها. القصة تنطلق في المستقبل البعيد، في زمن يبدو فيه كل شيء أكثر تقدمًا من الناحية التكنولوجية مقارنةً بالماضي.
هنا نتقمص دور المسافِرة، التي تستيقظ من سباتها العميق لتنطلق في مغامرة داخل هذا العالم الممزق. خلال رحلتك ستجوب شوارع ومباني بولندا المدمرة، تبحث عن أهداف مرتبطة بالمنظمة الغامضة The Collective. تلك المنظمة أوكلت إليك مهمة العودة بالزمن إلى لحظة الكارثة الأولى، لاستخراج أرواح وعقول مجموعة من العلماء والمؤثرين الذين كانت لهم علاقة مباشرة بالحادثة أو أسرار حول تفشي المرض. لكن تبقى الأسئلة معلقة: من أنت حقًا؟ ما طبيعة هذه المنظمة؟ ولماذا تحتاج إلى تلك الأرواح؟ اللعبة تُبقيك على أعصابك طيلة ما يقارب 16 ساعة لعب، تطرح أسئلة أكثر مما تُجيب، ما يفتح الباب لاحتمالية وجود جزء ثانٍ أو توسعة مستقبلية تكشف الغموض بشكل أعمق.
واحدة من أبرز نقاط قوة اللعبة هي الاختيارات وعواقبها. بعض قراراتك تؤثر بشكل مباشر على مسار الأحداث وتحدد النهاية، مما يشجع على إعادة التجربة أكثر من مرة لاكتشاف جميع الاحتمالات، خاصةً مع وجود نمط New Game Plus.
لكن ما أبهرني حقًا في Cronos: The New Dawn هو بناء العالم. فالقصة لا تُروى بالاعتماد على المشاهد السينمائية فقط، بل عبر السرد البيئي: التسجيلات التي تعثر عليها، المستندات التي تقرأها، والتفاصيل المبعثرة في أرجاء البيئة. التجول في بولندا ورؤية معالمها الشهيرة وقد غمرها الخراب يمنحك إحساسًا ثقيلًا ومؤثرًا. هذه واحدة من أذكى الألعاب التي وظّفت السرد البيئي لصالحها، وجعلتني متشوقًا لاكتشاف المزيد والمزيد لمعرفة خبايا هذا العالم وتاريخه المُظلم.
أسلوب اللعب هو أساس متعة التجربة في Cronos
يُقدّم أسلوب لعب Cronos: The New Dawn مزيجًا متقنًا يجمع بين Resident Evil 4 و Dead Space و The Callisto Protocol في أفضل صورة ممكنة. جوهر التجربة يعتمد على المواجهات المباشرة، وخلال ما يقارب 16 ساعة لعب ستجمع ترسانة متنوعة من الأسلحة، لكل منها دور محدد ضد أعداء بعينهم، مما يدفعك باستمرار إلى التبديل بينها لتحقيق أقصى استفادة.
أحد الابتكارات المميزة هو استغلال فكرة المرض والفيروس: عند موت عدو، قد يندمج مع آخر ليشكل نسخة أقوى وأكثر خطورة، ما يجبرك على التحرك بسرعة لوقف عملية الاندماج قبل فوات الأوان. كذلك استلهمت اللعبة من Dead Space ميكانيكية دهس الأعداء بعد إسقاطهم لتدمير أشلائهم ومنعهم من النهوض مجددًا، ما يضيف طبقة استراتيجية ممتعة للقتال.
الاستكشاف عنصر لا يقل أهمية عن القتال؛ فالموارد التي تعثر عليها تُستخدم لترقية الأسلحة والبدلة الخاصة بك، مما يمنحك قدرة أكبر على حمل الموارد أو تحمل الضربات. قيمة هذه الترقيات تتضح بمرور الوقت، خصوصًا عند مواجهة أعداء وزعماء أكثر صعوبة. أما الزعماء، فقد قُدموا بتصاميم قوية ومتنوعة في بيئات مميزة، ورغم اختلاف أساليب تقديمهم إلا أن القتال ضدهم يعتمد بشكل كبير على عنصر النيران، تمامًا مثل الأعداء العاديين الذين يهابونها وتُسهل من مواجهتهم.
تصميم العالم بدوره علامة فارقة، حيث يقدّم بيئات مترابطة بطريقة عبقرية تُعيد للأذهان تصميم عوالم Dark Souls. تبدأ عادةً من غرفة آمنة، ثم تشرع في الاستكشاف لتكتشف لاحقًا أن كل الطرق تعود إلى نفس النقطة. هذه الغرفة الآمنة تلعب نفس دور غرف الحفظ في Resident Evil، حيث يمكنك تخزين الموارد وترقية العتاد وحفظ تقدمك.
مع وصولك إلى منتصف القصة، ينفتح الاستكشاف أكثر بفضل أحذية الجاذبية التي تُمكنك من السير على الجدران والأسقف، فتفتح آفاقًا جديدة للألغاز والمواجهات. ورغم أن الألغاز ليست كثيرة، إلا أنها تأتي كاستراحة خفيفة من القتال، وتتمحور غالبًا حول فتح أبواب أو الوصول إلى مناطق جديدة.
لكن وسط كل هذه الأجواء المظلمة والمرعبة، تحتفظ اللعبة بلمسة إنسانية لطيفة: يمكنك مداعبة القطط التي تجدها في عالم Cronos: The New Dawn، وكأنها تذكير بأن بعض الدفء لا يزال موجودًا حتى في أحلك الظروف وأصعب الأوقات.
استغلال مثالي لمحرك Unreal Engine 5
اعتمدت Cronos: The New Dawn على محرك Unreal Engine 5 بشكل كامل، وهو المحرك الذي سبق أن استخدمه فريق Bloober Team في ألعاب مثل Silent Hill 2 Remake و Layers of Fears. لكن مع Cronos، يتضح أن الاستوديو استثمر خبرته السابقة وطور أدواته ليقدّم أفضل ما لديه حتى الآن.
المستوى الرسومي مبهر بحق، سواء في تصميم البيئات أو الشخصيات والأعداء. كمية التفاصيل الظاهرة على الشاشة هائلة، مع تركيز واضح على خلق أجواء سوداوية خانقة. اعتماد الضباب في معظم المناطق أضاف إحساسًا بالكآبة والعزلة، بينما جاء تصميم الظلام بواقعية تُرعبك أكثر مما تفزعك “الخضات” التقليدية، إذ يكون مصدر الضوء الوحيد أحيانًا هو الكشاف المثبت على بدلتك، مما يضفي توترًا دائمًا طوال التجربة.
من الناحية التقنية، كان الأداء جيدًا إجمالًا على الحاسب الشخصي. جربت اللعبة على جهاز بمعالج Ryzen 7 9800X3D وذاكرة DDR5 بسعة 32 جيجابايت وبطاقة Radeon RX 9070، على شاشة Ultrawide بدقة 3440x1440p مع أعلى إعدادات وجودة FSR 3. النتيجة كانت معدل ثابت يقارب 60 إطارًا في الثانية معظم الوقت، مع بعض الهبوط الطفيف في لحظات محدودة.
المشكلة الأساسية ظهرت في الكراشات المتكررة، خصوصًا خلال المشاهد السينمائية، مما أجبرني أحيانًا على تخطيها حتى لا تنهار اللعبة. كذلك لم أتمكن من تشغيل تقنية تتبع الأشعة، إذ كان تفعيلها يتسبب بخروج اللعبة مباشرة. آمل أن تُعالج هذه المشكلات سريعًا عبر تحديثات، خاصة أن التجربة تستحق إكمالها بجولة ثانية أكثر استقرارًا.
أما على صعيد الصوتيات، فقد عاد الملحن البولندي Arkadiusz Reikowski الذي تعاون مع الفريق في عدة مشاريع سابقة، ليقدّم موسيقى تصويرية مميزة تجمع بين الغموض أثناء الاستكشاف والحماس أثناء القتال. اللافت أنه استلهم الكثير من أجواء موسيقى Stranger Things الشهيرة من Netflix، ما أضاف طبقة إضافية من الغموض والتشويق على أجواء اللعبة.
للأسف، لا يوجد دعم لمنطقتنا العربية
من أكثر الجوانب المزعجة في Cronos: The New Dawn هو قرار فريق Bloober Team بدعم 15 لغة مختلفة، دون أن تكون العربية من بينها. في عام 2025، أصبح من الطبيعي أن نتوقع دعم لغتنا في أي إصدار جديد، خاصةً مع كونها من أكثر اللغات انتشارًا عالميًا، ومع قاعدة جماهيرية ضخمة في الشرق الأوسط.
الأمر يزداد إحباطًا حين نرى ناشرين كبار مثل PlayStation و Capcom يقدمون دعمًا متكررًا للعربية في عناوينهم الضخمة، بينما تأتي لعبة أصغر حجمًا وأكثر خطية مثل Cronos والتي كان من السهل ترجمتها دون أي اهتمام بلغتنا.
ولكي نضع الأمور في سياقها، حتى ألعاب الـ RPG العملاقة التي تمتد لأكثر من 100 ساعة مثل Cyberpunk 2077 و ELDEN RING حظيت بترجمة كاملة للحوارات والنصوص. لذلك، من الصعب تقبل غياب العربية هنا أو إيجاد أي مبرر مقنع لعدم دعمها. إنه تفصيل يقلل من اكتمال التجربة ويُبقي شعورًا بالاستبعاد لدى اللاعبين العرب الذين يستحقون أن يعيشوا القصة المميزة تلك بلغتهم.
في النهاية
لعبة Cronos: The New Dawn هي واحدة من أكبر المفاجآت في 2025. لعبة أخذت جوهر Dead Space و Resident Evil 4 وأضافت له لمسة خاصة جعلتها تجربة فريدة. سواء من حيث السرد البيئي الممتاز، أو الأجواء المرعبة، أو حتى أسلوب اللعب الذي يمزج بين التوتر والاستكشاف، نجح فريق Bloober Team في تقديم عمل يُثبت تطوره الكبير كمطور، ويضعه في مصاف الاستوديوهات العالمية. ورغم بعض المشاكل التقنية المزعجة، وغياب دعم اللغة العربية، إلا أن التجربة العامة تظل مبهرة وتستحق وقت كل عاشق لألعاب الرعب والبقاء.
?xml>