مراجعة لعبة Dying Light: The Beast

لطالما احتلت سلسلة Dying Light مكانة خاصة في قلبي، منذ صدور الجزء الأول عام 2015. فقد نجحت اللعبة آنذاك في المزج بين الأكشن والرعب والباركور، لتقديم تجربة فريدة في عالم ألعاب الزومبي يصعب أن نجد لها نظيرًا في الصناعة. ورغم أن الجزء الثاني خيّب آمال الكثيرين عند إطلاقه، فإن فريق Techland واصل دعمه على مدار السنوات الماضية حتى استطاع تحسينه بشكل ملحوظ. واليوم يعود الفريق البولندي ليؤكد مرة أخرى مدى حرصه على الاستماع لآراء اللاعبين وتلبية تطلعاتهم، وهو ما يتجسد بوضوح في لعبة Dying Light: The Beast. فالعنوان الجديد يأخذ كل ما ميّز الأجزاء السابقة، ويعمل على تطويره وصقله ليمنحنا أفضل تجربة في السلسلة حتى الآن؛ إليكم مراجعتنا الكاملة.
عودة بطلنا المُفضل Kyle Crane
إذا لعبتم توسعة The Following، فأنتم تعرفون أن بطل الجزء الأول Kyle Crane انتهى به المطاف نصف إنسان ونصف Volatile. وبعد سنوات طويلة من التجارب المؤلمة التي خضع لها، يعود Crane أخيرًا إلى العالم الخارجي، لتبدأ رحلته الجديدة في منطقة Castor Woods بأوروبا الوسطى، رحلة انتقام ضد “البارون” الذي عذّبه وأجرى عليه تلك التجارب طوال تلك السنوات. لكن القصة ليست بهذه البساطة، فمع خروج Crane من المختبر خرج أيضًا كائن آخر مخيف، وهو الوحش المعروف باسم The Beast. ومن هنا تبدأ الحكاية في التشعب: خط درامي يركّز على صراع البطل الداخلي مع الفيروس الذي يسكن جسده وسعيه للانتقام، وخط آخر يكشف جنون البارون وتجاربه على عدد كبير من الأشخاص، ومن بينهم الكائن المرعب الذي نصطاده في أحداث اللعبة.
واحدة من أبرز نقاط القوة في The Beast هي تقديم طاقم متنوع من الشخصيات الجديدة، مكتوبة بعناية ولها حضور ودور فعّال في القصة، على عكس الجزء الثاني حيث بدت الكثير من الشخصيات باهتة وسهل نسيانها. هنا تشعر أن كل تفصيلة صُممت بحب وتفكير مسبق من الاستوديو.
أما عن طول القصة، فهي ليست مبالغًا فيها حيث يمكن إنهاؤها في نحو 20 ساعة لعب، وهو وقت مثالي من وجهة نظري، لأن الاستوديو لم يلجأ إلى إطالة مصطنعة كما حدث في الجزء الثاني. أضف إلى ذلك أن اللعبة غنية بالمحتوى الجانبي الذي يرفع إجمالي مدة اللعب إلى 50 ساعة على الأقل، إذا أردت استكشاف كل ما تقدمه.
أسلوب اللعب: المزيج المثالي بين الأكشن والرعب
تواصل لعبة Dying Light: The Beast البناء على الأساس المتين الذي عُرفت به السلسلة، فهي تمزج بين الأكشن والمواجهات باستخدام الأسلحة اليدوية والنارية، وبين لحظات الرعب والمطاردات التي توظّف قدرات الباركور بأسلوب يعدّ من أمتع وأفضل تطبيقات الحركة في تاريخ الصناعة. أغلب وقتك في اللعبة ستقضيه في مواجهة جحافل الزومبي، مستخدمًا أسلحة متنوعة يمكن تعديلها لتناسب أسلوب لعبك الشخصي. وكما اعتدنا من السلسلة، تعود عناصر RPG مثل قابلية الأسلحة للكسر وضرورة إصلاحها أو استبدالها، بالإضافة إلى شجرة مهارات واسعة تتيح لك تخصيص تطور شخصيتك وفق النهج الذي تفضّله.
ولا تقتصر عناصر RPG على التطوير والمهارات فقط، بل تمتد إلى نظام التجميع والصناعة. فستجد نفسك تجمع الموارد من أرجاء عالم اللعبة أو تشتريها من التجار، لتستخدمها في صناعة أسلحة جديدة أو تجهيز عناصر مساعدة متنوّعة، تمنحك مرونة أكبر في اختيار الطريقة التي تخوض بها المواجهات. هذه الميكانيكية تجعل أسلوب اللعب أكثر عمقًا وتشجعك على الاستكشاف الدائم والاستفادة من كل ما يقدمه العالم.
أما الباركور، فقد وصل هنا إلى ذروة سلاسته وواقعيته. حيث جمع الاستوديو أفضل ما قدّمه في الجزأين السابقين ودمجه في نظام واحد أكثر تماسكًا، ليمنحك شعورًا بوزن الشخصية وثقلها في الحركة، ما يجعلك تفكر في كل قفزة وخطوة بعناية قبل الإقدام عليها؛ واحدة من أبرز التحسينات جاءت في نظام المطاردات الليلية. فبينما كان الجزء الأول مرعبًا بحق ودفع أقل من 10% من اللاعبين لمغامرة الخروج ليلًا بسبب وحوش Volatiles، جاء الجزء الثاني مخيّبًا للآمال وأفرغ الليل من رعبه. لكن في The Beast، يعود الليل إلى أجوائه المخيفة الأصلية، حيث تتحول من صياد في النهار إلى فريسة في الظلام، وهو تمامًا ما كانت السلسلة بحاجة إليه.
ومن الإضافات الجديدة المبهرة قدرات الوحش التي تحصل عليها مع كل هزيمة لزعماء الكايميرا. هذه القدرات تتيح لك التحول جزئيًا إلى كائن متوحش، لتُمعن في تمزيق الأعداء والزومبي على نحو دموي وممتع. وبالطبع، تكتسب المعارك مع الزعماء في هذه اللعبة طابعًا أسطوريًا، إذ يمتلك كل زعيم أسلوبه الخاص وآلياته الفريدة، ما يجعل كل مواجهة تجربة مختلفة لا تُنسى.
العالم المفتوح في Dying Light: The Beast هو أساس المتعة
يُعَدّ إتقان تصميم العالم المفتوح من أصعب المهام التي قد يواجهها أي مطور ألعاب، لكن Techland أثبتوا مع The Beast أنهم من أمهر الاستوديوهات في هذا المجال. ورغم أن عالم اللعبة أصغر حجمًا مقارنة بالجزء الثاني، وهو أمر منطقي نظرًا لأن The Beast كان من المفترض أن تكون توسعة للجزء الثاني، فإن هذا الحجم الصغير قد تحوّل في النهاية إلى مصدر قوة لا موضع ضعف. فالعالم رغم مساحته المحدودة، فإنه مليء بالتفاصيل التي تمنحه حياة وغنى بصري وعمق تصميمي.
كل منطقة في عالم Dying Light: The Beast مليئة باللمسات التي تشد انتباهك، فتجد نفسك تترك مهمتك الأساسية لتذهب وتستكشف شيئًا لفت نظرك عن بُعد. هذا الإحساس بالغمر الكامل في العالم لا ينجح في تحقيقه سوى عدد قليل من المطورين، إذ يمنحك شعورًا بأنك جزء من هذا المكان ورغبة في اكتشاف كل ركن فيه. صحيح أن بعض الأنشطة الجانبية جاءت مكررة مثل تشغيل المولدات في المناطق الآمنة أو استكشاف محطات الطاقة، لكنها لم تؤثر على متعة العالم المفتوح ولا على تنوعه. بل على العكس، فقد امتلأ العالم بمهام جانبية غنية بالشخصيات والقصص، وفي أحيان كثيرة كانت هذه القصص الفرعية تضاهي وربما تتفوق على القصة الأساسية نفسها.
ورغم صغر العالم وإمكانية التنقل فيه سيرًا على الأقدام أو باستخدام الخطاف الذي أضاف مرونة كبيرة للحركة، فقد أتاح الاستوديو أيضًا استخدام مركبات تُسهِّل التنقل أكثر. وجود هذه المركبات بدا منطقيًا للغاية، خصوصًا مع غياب ميزة السفر السريع، ما يجعل اللاعب مضطرًا لاستكشاف البيئة وفتح نقاط آمنة جديدة لضمان حمايته إذا حلّ الليل وهو في الخارج.
محرك Techland يستمر في ابهارنا رسوميًا
من أكثر الأمور التي أسعدتني أن فريق Techland لم يسر خلف التيار ويعتمد على محرك Unreal Engine 5 كما يفعل أغلب المطورين، بل فضّل تطوير محركه الخاص وتحسينه بصورة ملحوظة. هذا الخيار أثمر عن أفضل مستوى رسومي شهدته السلسلة حتى الآن في Dying Light: The Beast، مع تحسينات واضحة في الإضاءة والمؤثرات البصرية وتفاصيل الشخصيات وحركاتهم. صُمّم كل عنصر بصري في اللعبة بعناية يدوية تُظهر حجم الشغف والاهتمام الذي وضعه الاستوديو في عمله، ليمنحنا واحدًا من أجمل العوالم الافتراضية لعام 2025. ويزداد هذا الجمال وضوحًا مع التنوع الكبير في البيئات، من مدينة سكنية متكاملة إلى غابات كثيفة، مرورًا بمستنقعات وأماكن صناعية وغيرها من المواقع التي ستقضي ساعات طويلة في استكشافها.
لكن هذا لا يعني أن التجربة خالية من العيوب. فقد قرر الفريق إزالة تقنية تتبع الأشعة من نسخة الحاسب الشخصي عند الإطلاق على أن يتم إضافتها لاحقًا، مما جعل مستوى الرسوميات النهائي أقل مما ظهر في العروض الترويجية السابقة. إضافة إلى ذلك، تعاني اللعبة من مجموعة من المشكلات التقنية التي لا تزال قائمة حتى لحظة كتابة هذه المراجعة. من أطرف المواقف التي واجهتها أن الليل كان يبدأ فعليًا وتظهر وحوش Volatiles، بينما تظل الشاشة تُظهر ضوء النهار وكأن شيئًا لم يتغير.
أما على صعيد الأداء التقني، فقد اختبرت اللعبة على حاسوب قوي بمعالج Ryzen 7 9800X3D وذاكرة DDR5 بحجم 32 جيجابايت وبطاقة AMD RX 9070. وضبط الإعدادات على أعلى مستوى ممكن بدقة 3440×1440 مع تفعيل تقنية AMD FSR 4 على وضع الجودة، وجاء الأداء ثابتًا ما بين 80 و100 إطار في الثانية طوال 25 ساعة لعب متواصلة، من دون أي هبوط في معدل الإطارات أو مشكلات في التقطيع؛ مما يؤكد أن اللعبة مصقولة من الناحية التقنية بصورة مميزة.
اللعبة داعمة للغة العربية من اليوم الأول
تمامًا كما حدث مع الجزء الثاني، صدرت لعبة Dying Light: The Beast داعمة للغة العربية منذ اليوم الأول، بترجمة كاملة قدمها فريق Arlation الذي اعتدنا منه على جودة عالية في تعريب الألعاب. وكما هو متوقع، جاءت الترجمة متقنة وسلسة، ما يجعل التجربة العربية ممتعة وملائمة لأجواء اللعبة. لذلك، إن كنت من محبي اللعب بلغتك الأم، فستجد أن دعم العربية في The Beast يضيف قيمة كبيرة للتجربة ولن يخيب ظنك.
في النهاية
لعبة Dying Light: The Beast، هي عودة قوية للسلسلة بعد خيبة أمل الجزء الثاني. تقدم اللعبة قصة قصيرة لكنها مشوقة ومليئة بالشخصيات المؤثرة، مع أسلوب لعب ممتع يجمع بين الأكشن والباركور والرعب، ويعيد أجواء الليل المرعبة التي اشتهرت بها السلسلة. العالم المفتوح أصغر حجمًا لكنه مصمم بعناية وغني بالتفاصيل والمهام الجانبية، والرسوميات وصلت لأفضل مستوى في تاريخ السلسلة رغم بعض المشكلات التقنية وغياب تتبع الأشعة عند الإطلاق. ويمكن القول: إن The Beast تمثل التجربة الأكثر تماسكًا وإرضاءً لمحبي السلسلة منذ بدايتها.
?xml>