مراجعة لعبة Kingdom Come Deliverance II
![مراجعة لعبة Kingdom Come Deliverance II](https://arabinewsnow.com/wp-content/uploads/2025/02/مراجعة-لعبة-Kingdom-Come-Deliverance-II.webp-780x470.webp)
لطالما أدهشتني الألعاب التي تمزج بين الواقعية و”السذاجة المتوقعة” من ألعاب الفيديو، لتقدم تجربة محاكاة لحياة تُشعرك بأنك عشت بكل جوارحك في تلك الحقبة التاريخية التي تدور فيها أحداث اللعبة، وخضت تجربة عميقة تستحق الوقت الذي استثمرته معها. بالنسبة لي، كانت لعبة Kingdom Come Deliverance أبرز مثال على ذلك. هذه اللعبة بالرغم من عيوبها الكثيرة والناتجة -في الأغلب- عن كونها لعبة مستقلة من مطور لا تتماشى حجم “جيوبه” وتمويله مع حجم طموحه الضخم.
اليوم ومع إطلاق Kingdom Come Deliverance II، تتجه الأنظار نحو هذا البولندي الجديد على الساحة، وما يمكن أن يقدمه في ساحة ألعاب تقمص الأدوار التي باتت متشبعة بالتكرار وتبحث عمن يمنحها دفعة واحدة بسيطة إلى لأمام…فهل تستحق وقتك ؟ إليكم المراجعة الكاملة بعد قضاء أكثر من 130 ساعة مع اللعبة من عرب هاردوير.
“البولندي الطائر” يفعلها من جديد ويقدم ملحمة تفوق التوقعات قصصيًا
تدور أحداث لعبة Kingdom Come Deliverance II مباشرةً بعد نهاية الجزء الأول، وتبدأ برحلة Henry (البطل) و Sir Hans Capone و فرقتهما القتالية، وهم بعثة تحمل رسالة مهمة بين مملكتين متناحرتين. في هذه الأثناء، يسعى Sigismund ملك بلغاريا وكرواتيا، إلى احتلال التشيك وبسط نفوذه عليها، في واحدة من أكثر الحقب التاريخية ظلامًا في هذه المنطقة ذات الطبيعة الخلابة.
بالطبع تتدهور الأوضاع من سيئ إلى أسوأ، حتى يجد هنري نفسه وحيدًا، مجردًا من أدواته وكل ما يثبت هويته الرسمية. ويبدأ رحلة البحث عن طرق بديلة لإيصال الرسالة التي كُلف بإيصالها إلى الملك Otto von Bergow الذي يصعب الوصول إليه.
هذه بالطبع ليست القصة كلها، هذه فقط البداية التي يبدأ العالم بعدها بالانفتاح أمامك وتظهر نقاط أكثر أهمية في القصة. القصة عمومًا كبيرة ومليئة بالأحداث والشخصيات والحوارات، وستشعر معها أنك قد تجولت في أنحاء “بوهيميا” كلها ولم تترك فيها شبرًا إلا وقد صنعت معه ذكريات لا تنسى.
القصة أبهرتني في مستوى سردها، وتأنيها في تقديم الأحداث بأسلوب متقن وإيقاع مناسب، ففي بعض الأحيان تتسارع الأحداث، وبينما تسود أجواء هادئة في أوقات أخرى، ما يشجع على الاستكشاف والاستمرار في تجربة كل جديد داخل العالم. ذكرتني القصة وأسلوب سردها، وخصوصًا الافتتاحية البطيئة نسبيًا، بأسلوب Red Dead Redemption 2. فلك أن تتخيل أن هناك شخصيات محورية وتُعد من بين أفضل الشخصيات في تاريخ صناعة الألعاب في المطلق، لكنك لن تلتقي بها إلا بعد مرور 30 ساعة من بداية تجربتك للعبة!
أما بالنسبة للفارق بين الجزئين الأول والثاني، يحضرني التشبيه الشهير بين Batman Arkham Asylum و Batman Arkham City، وإن كانت الأولى تشبه الثانية كثيرًا، ولكن Arkham City نجحت في تقديم كل شيء بصورة أفخم وأكثر عمقًا وأفضل جودةً. هذا ما فعلته تمامًا Kingdom Come Deliverance في القصة وأسلوب اللعب، وأنا سعيد بأن قصة الجزء الثاني ركزت أكثر على تقديم مقاطع سينمائية بجودة فائقة، حيث أصبح معظم المطورين غير قادرين على تقديم شيء مماثلٍ لها.
المقاطع السينمائية والحوارات هي عنوان القصة في اللعبة، وعادة ما تكون سلاح ذو حدين، فإذا كانت قصتك تستند إلى الحوارات مع المقاطع السينمائية، فعلى الحوارات أن تكون مؤثرة وفعالة لتكون التجربة ممتعة، وهو ما نجح فيه المطور هنا، وفشل فيه آخرون في السنوات الأخيرة، وآخرهم مثلا Bioware مع Dragon Age: The Veilguard.
شهدت الحوارات تفرعًا عظيمًا، وتأثيرًا لمهاراتك و”Build -بنية” شخصيتك التي صنعتها وطورتها بجهود ذاتية على من أمامك. أبسط مثال على ذلك هو مظهرك، الذي ستجد الناس يعلقون عليه باستمرار. قلة الاستحمام ستتسبب في انعدام الثقة فيك ممن حولك، وستكون سببًا في رفض النبلاء الحديث معك. ملابسك الفاخرة ستكون سببًا في إعطاءك تخفيضات في المحلات التجارية والحانات وغيرها، وقس على ذلك قدرتك على المراوغة والكذب وغيرها من الميزات “الرهيبة” التي تتيح لك أن تخوض تجربة قصصية غير قابلة للتوقع ونتائج مختلفة عن كل لاعب آخر. لذا تقدم اللعبة مثال يحتذى به من حيث استجابة العالم وتفاعله مع خيارات وأفعال اللاعب في نظام ذكرني كثيرًا بأفكار الـRadiant AI الشهير من لعبة The Elder Scrolls IV:Oblivion، الذي أرى أن Kingdom Come Deliverance 2 تقدم له وريثًا روحيًا.
اللعبة تقدم أداءات تمثيلية رائعة وعميقة لم أرى مثلها منذ RDR2 و The Last of Us 2 في الألعاب، لقد استطاعت القصة أن تضع هنري في الواجهة وتبني شخصيته على مدار ساعات وساعات طويلة من التمهيد والبناء التدريجي ليصبح بحلول النهاية واحد من أفضل الشخصيات في الألعاب عمومًا، والشخصيات الجانبية أيضًا -أو المساعدة بمعنى أصح- مثل هانز كانت رائعة ومؤثرة.
ما أعجبني في الأداءات هو تنوع الشخصيات بين الفكاهة والجدية، والعجيب أن جميع الشخصيات دون استثناء يناسبها النوعين من الأداء، ففي بعض الأحيان تجد شخصية تبالغ بشكل هزلي في أدائها، في محاولة من المطور لإضفاء أجواء كوميدية على الحبكة، وفي لحظات أخرى تقدم الشخصية نفسها ومن خلفها مؤديها الصوتي وممثل دورها أداءً دراميًا من الطراز الرفيع. لعبة Kingdom Come Deliverance II هي لعبة قصصية بامتياز، وهي واحدة من تلك الألعاب التي ستجعلك تفضل صناعة الألعاب عن السينما من الزاوية السردية.
“لعبة Kingdom Come Deliverance II هي واحدة من تلك الألعاب التي ستجعلك تفضل صناعة الألعاب عن السينما من الزاوية السردية.”
أسلوب اللعب: تحترم وقتك ولكنها ستفسد جميع خطتك الأخرى…اعتزل حياتك إذا كنت تريد تجربتها
من حيث أسلوب اللعب، يمكن القول بثقة إن لعبة Kingdom Come Deliverance الأولى هي الوريث الروحي لسلسلة The Elder Scrolls، وذلك لأن كل شيء يبدو بسيطًا من جانب القصة، ولكن الحرية تصنع كل شيء هنا.
إذا أخبرتك بحبكة القصة بشكل نظري أو قرأتها من الورق قد تشعر أنها بسيطة أكثر من اللازم، ولكن كيفية التنفيذ يا عزيزي هي ما تشكل فارق كبير جدًا في تقييمنا لأي لعبة، والحرية هنا هو موطن التشابه الأول والأهم مع سلسلة The Elder Scrolls (بتأكيد رسمي من المطور).
تعطيك اللعبة مهامًا بسيطة وتعرفك على مجموعة واسعة من الأنظمة التي يقدمها العالم، ولك مطلق الحرية في التجربة والإبداع، بل أنها تفتح أمامك الباب على مصراعيه لفعل ذلك. على سبيل المثال لا الحصر، هناك مهمة تطلب منك الوصول إلى قصر ما لفعل شيء مهم، ولا تخبرك بالضبط عن الكيفية، ويكون دورك هو تحديد الفرص التي يمكنك استغلالها لتنفيذ مهمتك. استغرقتُ حوالي 20 ساعة في جمع المعلومات حول المهمة و استكشاف جميع الطرق المتاحة للدخول إلى هذا القصر؛ ووجدت أنهم حوالي 12 طريقة، جميعهم مختلفين عن بعضهم بصورة كبيرة ولديهم حوارات إضافية لتقديمها إلى اللاعب الذي سيقدم على تجربتهم، بعضهم يتوفر مبكرًا وبعضهم يحتاج بعض العمل قبل أن يتاح لك، ولذلك استغرقت معي 20 ساعة كاملة.
الطرق الـ12 تضمنت التنكر بزي حراس القصر، أو العمل لدى أحد التجار الذين يمتلكون وصولًا مباشرًا لباحة القصر، وكسب ثقتهم، أو حتى التقرب عاطفيًا من فتاة تعمل في ذلك القصر و حوالي 9 طرق أخرى ! نعم، هذه هي التجربة التي نحن بصددها، تجربة يمكنها أن تشغلك لساعات وساعات في أمور فرعية ولكنها أيضًا لن تنسى مكافئتك على ذلك من خلال تاثيرات مباشرة علة الأحداث، ولكي تفهم لماذا توجد كل هذه الحرية، علي أن أشرح لك أسلوب اللعب ومكوناته لكي تفهم.
مكونات أسلوب اللعب: نظام فوق نظام يرفع بعضهم بعضًا
يتكون أسلوب اللعب من أنظمة أساسية وأنظمة فرعية، الأنظمة الأساسية هي القتال المباشر والتصنيع (Crafting) والتخفي والترقية، أما عن الأنظمة الفرعية أطلق عليها أنا “الأنظمة الواقعية” وهم الحدادة والخيمياء والتنقل وحفظ التقدم، ونظام السفر السريع ونظام البقاء على قيد الحياة (النوم والأكل والدواء).
هذه الأنظمة هي امتداد لما قُدم في الجزء الأول، وقد خضعت معظمها للتحسين وصقل، مما جعل اللعبة أكثر متعة، مع الحفاظ على الصعوبة النسبية التي تحرص على أن يشعر به اللاعبون، فهي لعبة تهدف للواقيعة المفرطة لدرجة قد ينفر البعض منها. دعوني أبدأ بالقول إن هذه اللعبة ليست للجميع، لأنها تستهدف شريحة محددة من اللاعبين، قد لا تكون أنت منهم.
إذا كنت قد لعبت Dragon’s Dogma 2 مثلًا، فلعلك تعرف أن بعض الأنظمة التي قُدمت في تلك اللعبة أيضًا صنعت أجواءً من الصعوبة التي قد يراها البعض لا داعي لها، ولكن لكل من أحب هذه اللعبة -وأنا منهم- فهي لعبة لا يمكن أن تعيش معها نفس التجربة دون هذه الأنظمة، فهي ما تجعل اللعبة البسيطة أكثر عمقًا وتعقيدًا عن المعتاد في سوق ألعاب الـRPG، و Kingdom Come Deliverance 2 هي أيضًا تفعل الشيء نفسه، ولكن بتوسع.
الأنظمة الأساسية التي أشرت إليها، وأولها القتال تحسن عن الجزء السابق حيث أصبح أكثر استجابة وأكثر واقعية، وسهولة أيضًا. عجلة التوجيه أصبحت مكونة من ثلاثة اتجاهات فقط، كما يمكنك توجيه ضربتك إليهم، وبما أن الاستجابة والأنيميشن صُقل وتحسن بقدر كبير، فإن ضبط توقيت الضربات أصبح هو مفتاح أي مواجهة، بجانب إدارة شريط الطاقة الذي ستشعر أنه صغير ولا يسع المواجهات الكبيرة ولكنك سرعان ما ستتمكن من استغلاله بطرق مبتكرة خصوصًا في المواجهات الكبيرة، التي ستواجه فيها أكثر من خمسة أعداء. لا تزال هذه المواجهات كابوسًا بالنسبة لي، ولكنها حتمًا وقطعًا ليس بسوء وصعوبة الجزء الأول. هناك دومًا طرق للتنصل منها وهو أمر رائع ومهم، مثل التخفي مثلًا، وهو حل صعب أيضًا هنا، لأنه لا يقتصر على مجرد الانبطاح وعدم إحداث أصوات، بل أنه يعتمد على الأدوات التي بحوزتك وقوة دروع الأعداء وأشياء أخرى، ولكنه يعتبر حلًا آمنًا تحاول من خلاله التخلص من بعض الاعداء للتقليل من عددهم في المواجهة الكبيرة.
يعتمد نظام ترقية المهارات على بعض النقاط التي تكتسبها في بداية اللعبة من خلال اختيارات في حوارات محورية، وتحدد أسلوب قتالك المفضل وصفات شخصيتك الأساسية، وتستطيع التوسع في كل اتجاه من خلال شجرة مهارات ضخمة ورائعة، تساعدك على ترقية شخصيتك من خلال الممارسة، أي أن ممارسة “الفصال” كثيرًا أو “الكذب” بستمرار تجعلانك مثالًا قادرًا على المراوغة في الحوارات واكتساب الكاريزما، وتستطيع أيضًا شراء المهارات بالنقاط التي تحصل عليها كل فترة (XP)
تمتلك Kingdom Come Deliverance II واحدة من أقوى أشجار المهارات في صناعة الألعاب، ونظام ترقية ذكي ومبتكر يدفع هذا الجانب في صناعة الألعاب إلى الأمام.
“الأنظمة الفرعية” كما أسميتها في بداية الفقرة كانت الجانب الذي شعرت أنه يزيد من صعوبة اللعبة دون داعي لذلك، فتصنيع المساحيق والأدوية مثلًا، الذي تحتمه “الخيمياء” عليك، يتطلب جمع الموارد وطبخها بترتيب محدد ضمن عملية معقدة وشاقة وبطيئة. وهذا مجرد مثال على الجوانب التي تجعل اللعبة أصعب من المطلوب في بعض الأحيان، وتطيل من عمرها بطريقة قد تميل أكثر إلى الملل منها إلى الواقعية أو المتعة. تتضمن الأمثلة الأخرى نظام التنقل السريع الذي عادةً ما يخبرك بأن هناك قطاع طرق قد واجهوك ومنعوك من استكمال الطريق، وتضطر وقتها إلى مواجهتهم، ونظام الطعام والشراب وفساد الأسلحة مع كثرة الاستخدام. كل هذه الأشياء هي عبارة عن Stats عليك الإطلاع عليها بستمرار لتبقي شخصيتك في أفضل حال، كما أنه يمكنك أيضًا أن تصاب بالأمراض والنزيف وتحتاج للعلاج والراحة.
بينما لم تعجبني كثيرًا الأنظمة التي ذكرتها بالأعلى، أعجبني نظام الليل والنهار، وهو نظام موجود بالجزء الأول حيث تختلف ملامح الحياة في بوهيميا (خريطة اللعبة) في الليل عن النهار، فتجد أن الحراس نيام في فترة الليل، وبالتالي يسهل عليك التخفي والسرقة، وأما في فترة النهار يكون من السهل عليك العثور على الجميع خارج منازلهم، وبالتالي تكون المنازل خالية وهي فرصة سانحة للتسلل إليها. كما أن الحياة البرية والعالم الشاسع في بوهيميا يكون أكثر خطورة في فترة الليل؛ إذ يكون مظلم بشكل لم أره في لعبة أخرى منذ Dying Light. نعم، الليل هنا كابوس لمن يريد إتمام مهمة بعيدة ويحتاج للتنقل لمسافة كبيرة. والنوم يجعلك تجوع، وهنا تكمن جزء من متعة اللعبة، مراقبة كل الأنظمة ومحاولة الموازنة بينهم. محاولة مستمرة للبقاء على قيد الحياة، وأعقتد أن هذا الجانب سيجد من يقدره في مجتمع اللاعبين، وسيجد أيضًا من يكرهه. شخصيًا، لم أمانع معظم هذه الأنظمة إلا في حالات محددة، عندما ساءت الأمور واضطررت إلى إعادة اللعب من نقطة حفظ مضى عليها ثلاث ساعات، هنا شعرت بأن اللعبة كان من الممكن أن تكون مرحبة أكثر باللاعبين. لكن في النهاية، يبقى ذوقك الشخصي هو الفيصل في تحديد ما إذا كانت هذه اللعبة مناسبة لك أم لا.
لازال نظام القتال -بالرغم من أنه ممتع- صعبًا، ويفتقر للتنوع وهو في رأيي أكبر عيوب اللعبة. تحاول اللعبة إقناعك أن لديك إمكانية للعب ببنيات مختلفة (Builds) مثل رامي السهام (Archer) أو القتال بالسيف أو بالأسلحة الأخرى ذات الأسطح المسطحة وغير الحادة مثل الهروات والمطارق، ولكن الحقيقة هي أن نظام القتال مصمم حول السيوف والدروع فقط، واستخدام أي سلاح آخر (حتى الأسلحة النارية) ليس فعالًا في القتال مع أكثر من عدو في وقت واحد.
العالم المفتوح: هذا هو العالم الذي ستعيش فيه شهورك القادمة…
العالم المفتوح ذكرني كثيرًا بـRDR2 و Skyrim و Zelda breath of The Wild، وهذه أفضل الجمل التي يمكنك أن تتمنى -كمطور- أن تُوصف لعبتك بها، وذلك لأنها لعبة تعتمد على الاستكشاف بقدر كبير، وتستغل كل شبر في عالمها المفتوح بأسلوب مناسب لجعلك في حالة تمزج بين الحذر والترقب الدائمين. ماذا يعني هذا؟ يعني هذا أنك تستطيع الذهاب لأي شيء تراه على مرمى بصرك إذا كنت تريد ذلك، وفي طريقك ستلمح الكثير من الأشياء الأخرى التي ستلفت نظرك، وستحدث أمامك حوارات وأحداث عشوائية كثيرة قد تكون بداية مهمة جانبية، وهنا أستطيع أن أنقلك إلى أهم ثلاث نقاط تميز العالم المفتوح وتوظيفه بطريقة صحيحة، مع العلم أن ليست كل المساحات في الخريطة مأهولة أو مليئة بالنشاطات:
- 1- تعتمد اللعبة بقدر كبير على الحوارات ومدى استماعك إليها. في كثير من الأحيان تُرشد إلى المنطقة العامة، التي سيكون عليك التواجد فيها لإتمام المهمة، لكن أين الشيء الذي تبحث عنه تحديدًا، أو ما الذي ينبغي عليك فعله عند الوصول؟ هذا الشيء متروك لك تمامًا في معظم مهام اللعبة، ودائمًا يوجد أكثر من طريقة لإتمام المهمات. في أحيان أخرى ستُبلغ بأن عليك إيجاد “كتاب” مثلًا في مكان يُوصف بدقة لكن اللعبة لن تخبرك مرة أخرى أو تحتفظ بنص مكتوب من الحوارات حتى في الـJournal الذي يعطيك ملخصًا لكل مهمة أثناء تأديتها.
- 2- تكافئ اللعبة اللاعبين بستمرار على الاستكشاف، وذلك من خلال توزيع أسلحة وعتاد مرتفع المستوى في مختلف البيئات وبأسلوب مناسب يجعل اللاعب يشعر بأهمية البحث في كل مكان، حتى تلك الأماكن التي لا يتوقع معظم اللاعبين إيجاد شيئًا فيها. هناك شعور بأن العالم الخاص باللعبة واقعي ومليئ بالفرص غير المتوقعة، وهو أعظم وأهم ما يمكن أن يقدمه عالم مفتوح في لعبة فيديو خلال الفترة الحالية.
- 3-السفر والتنقل ليس سهلًا، وهو أمر ذكرته في أكثر من مناسبة خلال الفقرات السابقة، وشبهته بلعبة Dragon’s Dogma 2، وهو أيضًا يشبه قليلًا RDR2 من حيث حاجتك المستمرة للتنقل بالحصان من مكان لآخر في مساحات واسعة بتضاريس واقعية. هذا الامر يجعل للرحلة وزن وقيمة، حتى وإن كان البعض سيشعر أنها “ثقيلة” ولكنها أيضًا تضيف إلى شعور العالم المفتوح وأهميته.
هناك عناصر إضافية تضيف لقيمة العالم المفتوح أيضًا، من ضمنها توزيع المحتوى الجانبي العادل جدًا الذي يجعل أمامك شيء ما لتفعله كل 20 ثانية في العالم. عمومًا، عالم اللعبة يعتبر من أفضل العوالم المفتوحة في الألعاب وهو خطوة للإمام عما رأيناه منذ The Elder Scrolls Skyrim ومن بعدها RDR2.
المحتوى الجانبي: درة التاج في Kingdom Come Deliverance 2
أؤمن بالمقولة الآتية : ألعاب تقمص الأدوار تعيش وتموت بفضل مهماتها ونشاطاتها الجانبية – RPG Games lives or dies by its side quests/Content”
هذا المبدأ هو الذي جعل لعبة مثل The Witcher 3 تحوز على إعجاب الملايين من محبي ألعاب الفيديو حول العالم، هل تتذكرون مهمة Bloody Baron ومدى قوة كتابة حواراتها وشخصياتها؟ أو مهمة Beyond the Reef الأسطورية في Fallout New Vegas؟ هذه هي المهمات التي سطرت بأحرف من ذهب قواعد وقوانين ومقاييس المهمات الجانبية ومدى جودتها في ألعاب العالم المفتوح. يسعدني أن أخبركم بأن لعبة Kingdom Come Deliverance 2 تمتلك عددًا وفيرًا من المهام الجانبية، التي ترتقي لتكون على نفس القائمة مع المهمات المذكورة.
تقدم اللعبة مهمات جانبية محورية لأسلوب اللعب والقصة معًا، ففي إحدى المهمات يمكنك العثور على كلبك الوفي الذي يضيع منك في بداية اللعبة، وعند العثور عليه يمكنك اصطحابه معك في كل مكان وتوجيه في التخفي والقتال، ليساعدك ويجعل مهمتك أسهل بكثير. هناك مهمات أخرى لديها قصصها المستقلة التي تسلط الضوء على الحقبة التاريخية وكيف تعامل فيها الأقليات العرقية أو النساء أو حتى مهمة أخرى ستتعرف فيها على شخصية تدعى “موسى من مالي”، وهو رجل أفريقي مسلم يقدم حوارات مثيرة جدًا للإهتمام وستكون صحبته بمثابة رحلة مستقلة بذاتها خارج الإطار الواسع لقصة اللعبة الممتدة على مدار فصول كثيرة.
هناك عدد من الـMini games والنشاطات الجانبية المثيرة جدًا للإهتمام، مثل الحدادة مثلًا، أو لعبة النرد (Dice Game) وغيرها من النشاطات التي تعطي لهم اللعبة أهمية واهتمام كبير في التصميم والتفاصيل، ولحسن الحظ كلاهما سيكونان مهمين في نقطة ما من مشوارك، إذا ما أردت أن تكسب المال داخل اللعبة، لأنك شئت أم أبيت، ستشعر بنقص المال في وقت ما في مشوارك مع اللعبة ولأنها لعبة تميل للواقعية المفرطة، ستحتاج “للعمل” وكسب المال.
الحدادة بالذات كانت نشاطًا ممتعة بالنسبة لي، على عكس ما كانت عليه الخيمياء مثلًا، فكلاهما عبارة عن صنع ما تريد من أسلحة في حالة الحدادة و عقاقير في حالة الخيمياء، ولكن الحدادة كانت أكثر متعة كلعبة مصغرة، إذ تقوم بجمع الموارد اللازمة لصناعة أي قطعة معدنية تريدها سواء سيف أو درع أو غيره، ثم تدخلها إلى الفرد وتسخينها ثم الطرق عليها بترددات معينة لكي يخرج لك ما تريد في النهاية، ثم تذهب لتبيع ما صنعته.
الرسوم والصوتيات: متعة للعين والأذن معًا
يعود مُلحِّنا الجزء الأول، Jan Valta و Adam Sporka، لتقديم ملحمة موسيقية جديدة بمستوى أسطوري اعتدناه من الجزء الأول. وهي تتناسب مع جميع اللحظات وتحمل في نسيجها المتسق كل جوانب “الطيف” الذي تقدمه اللعبة،الذي يحمل معه لحظات درامية حزينة، واكشن دامي، وفكاهة أكثر إضحاكًا من أعتى الكوميديانات. وجود موسيقى تناسب كل هذه اللحظات جعل منها تحفة فنية لا تُنسى خصوصًا لمحبي ألعاب العصور الوسطى.
أما جانب الصوتيات من زاوية الأداءآت الصوتية، فقد كان من بين الأفضل في السنوات الأخيرة بلا نقاش. شخصية هنري، وشخصيات مثل هانز قدموا بطريقة ممتازة، بالإضافة إلى بعض الشخصيات الجانبية الأخرى. الجميع في مستوى ممتاز من الأداءات، إلا أن إعادة استخدام أصوات بعض المؤديين لشخصيات الحراس أو المارة والعامة في مدن وقرى اللعبة كان أمرًا مزعجًا بعض الشيء.
رسوم اللعبة جميلة ومليئة بالتفاصيل، حيث حاول الجزء الأول تقديم مستوى مماثل، لكنه كان مشروع أقل طموحًا نظرًا لأنه التجربة الأولى للستوديو ،إلى جانب المشكلات التقنية العديدة التي رافقت إطلاقه وأثرت على استقبال اللعبين له. يمكنني القول بإن الأداء التقني والمستوى الرسومي في Kingdom Come Deliverance II يمثلان تطورًا طبيعيًا ومنطقيًا للجزء الأول، إذ تأتي اللعبة بحجم أكبر، ومستوى جمالي أفضل، وصقل يليق بلعبة تستكمل ما بدأه الجزء السابق.
جربنا اللعبة على جهاز PS5، وتقدم اللعبة طورين تقنيين، الأول هو الأداء ويقدم 60 إطار مع دقة عرض 1080p مع استخدام تقنية AMD FSR 2.1.2 لترقية الرسوم إلى 4K، وفي طور الدقة ستحصل على 1440P مع 30 إطار، وقد فضلت شخصيًا طور الـ60 إطار؛ لأن المنظور الأول يعطي شعورًا بالرغبة في أن تكون السرعة أعلى في الحركة والقتال، ولم أكن مرتاحًا أبدًا مع الـ30 إطار. إذا كنت تمتلك PC قوي فأنصحك بشراء اللعبة عليه، وتجنب الكونسول للاستمتاع بالرسوم أكثر والحصول على إطارات مرتفعة مع رسوم ممتازة، لأن اللعبة بالفعل تستطيع إبهارك في كثير من الأحيان.
دعم المنطقة العربية: نقطة سوداء في بحر من الإيجابيات
أكثر النقاط السلبية من منظوري كلاعب عربي، هي غياب اللغة العربية وتعريب اللعبة، رغم وجود لغات أخرى من أسواق أقل من حيث القوة الشرائية من شرقنا الأوسط! هذا الأمر كان مزعجًا بالنسبة لي لأنني أعرف أنه سيتسبب في فقدان جزء كبير من لاعبينا العرب للاستمتاع باللعبة، خصوصًا وأنها لعبة RPG ضخمة تحتاج لغة إنجليزية خارقة للاستمتاع بها بالكامل، فالحوارات طويلة -أطول من Baldur’s Gate 3 بالمناسبة- وتفاصيلها مهمة دائمًا، كما أن قوائم اللعبة والـCodex خاصتها مليئين بالتفاصيل الإضافية حول العالم والشخصيات والحقبة التاريخية، وهي أشياء تحتاج إلى لغة إنجليزية قوية، وكان التعريب ليصبح عنصرًا مفصليًا يدفع البعض لتجربة اللعبة.
عدم دعم المنطقة العربية لم يتوقف هنا، بل امتد إلى عدم تقديم نسخة منقحة مناسبة للشرق الأوسط. أيًا كانت النسخة التي ستلعبها فهي النسخة الأصلية، التي تحتوي على إمكانية الدخول في علاقة مثلية! لحسن الحظ هذا الشيء اختياري، تمامًا مثل الحياة الواقعية. إذا لم تحاول الاقتراب من هذا الاحتمال، فستكون آمنًا من أن يحل بك هذا الأمر الكريه والمُحرم في ديننا وثقافتنا، ودعوني أكتب القادم لكم بالبنط العريض:
هذه اللعبة غير مناسبة تمامًا للأطفال والمراهقين، ولا يجب عليك السماح لأبنائك أو إخوتك الصغار أو أقاربك الأطفال أن يلعبوها حتى لا يتأثروا بالأفكار التي قد يصادفونها. هذه اللعبة للبالغين فقط حتى يستطيع كل شخص أن يعقل الأفكار ويرفض ما لا يناسب معتقداته منها.
كلمة أخيرة:
لعبة Kingdom Come Deliverance 2 ليست للجميع، ولكنها “جنة” لمحبي ألعاب التقمص الهاردكور التي لا تخجل من أن ترهقك وأنت تبحث عن مكان لتنام فيه لأن شخصيتك متعبة. وتسعى للواقعية المفرطة بأسلوب غير مسبوق، وتقدم تفاعلية عالية مع العالم والشخصيات. كل ذلك بجانب القصة والأحداث والأداءات التمثيلية الأسطورية يجعلونها مرشحًا قويًا للعبة العام.
?xml>